(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨)
____________________________________
جىء بالجملة الاسمية دلالة على تحقق الإحاطة واستمرارها أو تنزيلا لحال السبب منزلة حال المسبب فإن الكفر والمعاصى الموجبة لدخول جهنم محيطة بهم وقيل إن الكفر والمعاصى هى النار فى الحقيقة لكنها ظهرت فى هذه النشأة بهذه الصورة وقد مر تفصيله فى سورة الأعراف عند قوله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) ولام الكافرين إما للعهد ووضع الظاهر موضع المضمر للإشعار بعلة الحكم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل يوم يغشاهم العذاب الذى أشير إليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال مالا يفى به المقال وقيل ظرف للإحاطة (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أى من جميع جهاتهم (وَيَقُولُ) أى الله عزوجل ويعضده القراءة بنون العظمة أو بعض ملائكته بأمره (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى جزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من السيئات التى من جملتها الاستعجال بالعذاب (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب تشريف لبعض المؤمنين الذين لا يتمكنون من إقامة أمور الدين كما ينبغى لممانعة من جهة الكفرة وإرشاد لهم إلى الطريق الأسلم (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أى إذا لم يتسهل لكم* العبادة فى بلد ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتسنى لكم ذلك وعنه صلىاللهعليهوسلم من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهماالسلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن أرضى واسعة إن لم تخلصوا العبادة لى فى أرض فأخلصوها فى غيرها ثم حذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) جملة مستأنفة جىء بها حثا على المسارعة فى الامتثال بالأمر أى كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت وكربه فراجعة إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالها فمن كانت هذه عاقبته فليس له بد من التزود والاستعداد لها وقرىء يرجعون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) لننزلنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) أى علالى وهو مفعول ثان للتبوئة وقرىء لنثوينهم من الثواء بمعنى الإقامة فانتصاب غرفا حينئذ إما بإجرائه مجرى لننزلنهم أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف الموقت بالمبهم كما فى قوله تعالى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صفة لغرفا (خالِدِينَ فِيها) أى فى الغرف أو فى الجنة (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أى الأعمال الصالحة والمخصوص بالمدح محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه وقرىء فمنعم