(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦٣)
____________________________________
(الَّذِينَ صَبَرُوا) إما صفة للعاملين أو نصب على المدح أى صبروا على أذية المشركين وشدائد المهاجرة وغير ذلك من المحن والمشاق (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أى ولم يتوكلوا فيما يأتون ويذرون إلا على الله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) روى أن النبى صلىاللهعليهوسلم لما أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة قالوا كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت أى وكم من دابة لا تطيق حمل رزقها لضعفها أولا تدخره وإنما تصبح ولا معيشة عندها (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) ثم إنها مع ضعفها وتوكلها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء فى أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله تعالى لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا الفقر بالمهاجرة (وَهُوَ السَّمِيعُ) المبالغ فى السمع فيسمع قولكم هذا (الْعَلِيمُ) المبالغ فى العلم فيعلم ضمائركم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أى أهل مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) إذ لا سبيل لهم إلى إنكاره ولا إلى التردد فيه (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) إنكار واستبعاد من جهته تعالى لتركهم العمل بموجبه أى فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده تعالى فى الإلهية مع إقرارهم بتفرده تعالى فيما ذكر من الخلق والتسخير (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) أن يبسطه له (مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أى يقدر لمن يشاء أن يقدر له منهم كائنا من كان على أن الضمير مبهم حسب إبهام مرجعه أو يقدر لمن ببسطه له على التعاقب (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم من يليق ببسط الرزق فيبسطه له ومن يليق بقدره فيقدره له أو فيعلم أن كلا من البسط والقدر فى أى وقت يوافق الحكمة والمصلحة فيفعل كلا منهما فى وقته (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) معترفين بأنه الموجد للمكنات بأسرها أصولها وفروعها ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذى لا يكاد يتوهم منه القدرة على شىء ما أصلا (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على أن جعل الحق بحيث لا يجترىء المبطلون على جحوده وأنه أظهر حجتك عليهم وقيل على أن عصمك من أمثال هذه الضلالات ولا يخفى بعده (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أى شيئا من الأشياء فلذلك لا يعلمون بمقتضى قولهم هذا فيشركون به سبحانه أخس مخلوقاته وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم ذلك.