(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٦٨)
____________________________________
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) إشارة تحقير وازدراء للدنيا وكيف لا وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أى إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون عنه (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أى لهى دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت والفناء عليها أو هى فى ذاتها حياة للمبالغة والحيوان مصدر حي سمى به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا لما فى بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب اللازم للحيوان ولذلك اختير على الحياة فى هذا المقام المقتضى للمبالغة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أى لما آثروا عليها الدنيا التى أصلها عدم الحياة ثم ما يحدث فيها من الحياة عارضة سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) متصل بما دل عليه شرح حالهم والركوب هو الاستعلاء على الشىء المتحرك وهو متعد بنفسه كما فى قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) واستعماله ههنا وفى أمثاله بكلمة فى للإيذان بأن المركوب فى نفسه من قبيل الأمكنة وحركته قسرية غير إرادية كما مر فى سورة هود والمعنى أنهم على ما وصفوا من الإشراك فإذا ركبوا فى البحر ولقوا شدة (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أى كائنين على صورة المخلصين لدينهم من المؤمنين حيث لا يدعون غير الله تعالى لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا هو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أى فاجئوا المعاودة إلى الشرك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) أى يفاجئون الإشراك ليكونوا كافرين بما آتيناهم من نعمة الإنجاء التى حقها أن يشكروها (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أى عاقبة ذلك وغائلته حين يرون العذاب (أَوَلَمْ يَرَوْا) أى ألم ينظروا ولم يشاهدوا (أَنَّا جَعَلْنا) أى بلدهم (حَرَماً آمِناً) مصونا من النهب والتعدى سالما أهله من كل سوء (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أى والحال أنهم يختلسون من حولهم قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله فى تغاور وتناهب (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أى أبعد ظهور الحق الذى لا ريب فيه بالباطل خاصة يؤمنون دون الحق (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) وهى المستوجبة للشكر حيث يشركون به غيره وتقديم الصلة فى الموضعين لإظهار كمال شناعة ما فعلوا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن