يَهْجَعُونَ) (١) أي لا ينامون من الليل إلا قليلا إذ أكثر الليل يقضونه في الصلاة وهو التهجد وقيام الليل (وَبِالْأَسْحارِ) أي وفي السدس الأخير من الليل (هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وثالث (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي وزيادة على الزكاة المفروضة في كل مال بلغ النصاب فإنهم أوجبوا على أنفسهم في أموالهم حقا يبذلونه للسائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل لحيائه وعفته. هذه موجبات العطاء الكريم الذي أعطاهم ربهم من النعيم المقيم في جنات وعيون. وقوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ (٢) آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أي وفي ما خلق في الأرض من مخلوقات من جبال وأنهار وزروع وضروع وأنواع الثمار ، وإنسان وحيوان آيات أي دلائل وعلامات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وكلها موجبة له التوحيد ومقررة لقدرته على البعث الآخر والجزاء وكون هذه الآيات للموقنين مبني على أن الموقنين ذووا بصائر وإدراك لما يشاهدون في الكون فكلما نظروا إلى آية في الكون ازداد إيمانهم وقوى فبلغوا اليقين فيه فأصبحوا أكثر من غيرهم في الاهتداء والانتفاع بكل ما يسمعون ويشاهدون. وقوله تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي وفي أنفسكم (٣) أيها الناس من الدلائل والبراهين المتمثلة في خلق الإنسان واطواره التي يمر بها من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى طفل إلى شاب فكهل وفي إدراكه وسمعه وبصره ونطقه إنها آيات أخرى دالة على وجود الله وتوحيده وقدرته على البعث والجزاء وقوله (أَفَلا تُبْصِرُونَ) توبيخ لأهل الغفلة والاعراض عن التفكر والنظر إذ لو نظروا بأبصارهم متفكرين ببصائرهم لاهتدوا إلى الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء. وقوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) أي (٤) يخبر تعالى عباده أن رزقهم في السماء يريد تدبير الأمر في السماء والأمطار التي هي سبب كل الثمار والحبوب وسائر الخضر والفواكه التي هي غذاء الإنسان في السماء وقوله وما توعدون من خير وشر من رحمة وعذاب الكل في السماء إذ الأمر لله وهو يحكم بالرحمة والعذاب على من يشاء وكتاب المقادير الذي كتب فيه كل شيء هو في السماء.
وقوله تعالى (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)
__________________
(١) الهجوع : النوم ليلا ، والتهجاع : النومة الخفيفة قال الشاعر :
قد حصت البيضة رأسي فما |
|
أطعم نوما غير تهجاع |
والفعل هجع يهجع هجوعا ، و (ما) زائدة لتقوية الكلام أي : كانوا ينامون قليلا من الليل ، والجملة : (كانُوا قَلِيلاً) الخ بدل من جملة : (كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) بدل بعض من كل.
(٢) هذا متصل بالقسم في قوله : (وَالذَّارِياتِ) إنه بعد أن حقق عقيدة البعث بالإقسام عليها عطف شواهد من الأدلة على ذلك.
(٣) مما هو آية في النفس أن المرء يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ولو شرب لبنا محضا لخرج منه الماء ومنه الغائط فتلك الآية فى النفس.
(٤) يروى أن الحسن رحمهالله تعالى كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم.