أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة فهذا مبدأ خلق الإنسان ابن آدم. وقوله (نَبْتَلِيهِ) (١) أي نختبره بالتكاليف بالأمر والنهي وذلك عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل ولذلك جعله (سَمِيعاً بَصِيراً) إذ بوجود السمع والبصر معا أو بأحدهما يتم التكليف فإن انعدما فلا تكليف لعدم القدرة عليه. وقوله تعالى (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب واستبان له بذلك أيضا طريق الغي والردى إذ هما النجدان إن عرف أحدهما عرف الثاني وهو في ذلك إما (٢) أن يسلك سبيل الهدى فيكون شكورا ، وإما أن يسلك سبيل الغي والردى فيكون كفورا ، والشكور المؤمن الصادق في إيمانه المطيع لربه ، والكفور المكذب بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى (إِنَّا (٣) أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) الآيات شروع في بيان ما أعد لكل من سالكي سبيل الرشد وسالكي سبيل الغي فقال بادئا بما أعد لسالكي سبيل الغي موجزا في بيان ما أعد لهم من عذاب بخلاف ما أعد لسالكي سبيل الرشد فإنه نعيم تفصيله محبوب والإطناب في بيانه مرغوب فقال (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً) يسحبون بها في النار ، وأغلالا تغل بها أيديهم في أعناقهم وسعيرا متأججا وجحيما مستعرا. هذا موجز ما أعد لسالكي سبيل الغي أما سالكي سبيل الرشد فقد بينه بقوله (إِنَّ الْأَبْرارَ) (٤) أي المؤمنين المطيعين في صدق لله والرسول (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) ملأى شرابا (مِزاجُها كافُوراً) ومزجت بالكافور لبرودته وبياض لونه وطيب رائحته (عَيْناً يَشْرَبُ (٥) بِها عِبادُ اللهِ) لعذوبة مائها وصفائه أصبحت كأنها أداة يشرب بها ولذا قال يشرب بها ولم يقل يشرب منها وقوله (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا من غرفهم وقصورهم ومجالس سعاداتهم. وقوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قطع الحديث عن نعيمهم ليذكر بعض فضائلهم ترغيبا في فعلهم ونعيمهم ، ثم يعود إلى عرض النعيم فقال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٦) أي كانوا في دار الدنيا يوفون بالنذر وهو ما يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلاة والصيام والحج والصدقات تقربا
__________________
(١) الجملة حالية من الإنسان.
(٢) إما حرف تفصيل وهو بسيط عند الجمهور وقال سيبويه هو مركب حرف إن الشرطية وما النافية ، ولما تجردت إن من الشرطية وما من النفي أصبحت إما حرف تفصيل بسيط في الواقع وليس مركبا.
(٣) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأنها واقعة موقع جواب للسؤال عن حال كل من الشاكر والكفور فكان الكلام بيانا لحال كل منهما.
(٤) الأبرار جمع بر وبار ، وهو المكثر من فعل البر الذي هو الخير ولذا كان البر من أسماء الله تعالى ، قال تعالى : إنا كنا ندعوه من قبل إنه هو البر الرحيم ويجمع البر على بررة.
(٥) جائز أن تكون الباء في بها بمعنى من التبعيضية وجائز أن يكون يشرب مضمنا معنى يروى أي يروى بها عباد الله ومن شواهد هذه الباء قول الشاعر :
شربت بماء البحر ثم تدفقت |
|
متى لجج خضر لهن نئيح |
متى بمعنى في والنئيح مر سريع مع صوت والشاهد في بماء البحر.
(٦) النذر هو ما يوجبه المكلف على نفسه في الطاعة بحيث لو لم يوجبه لم يلزمه.