والامتحان ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (٢١) وقوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (٢٢) والمراد ذلك كلّه الاختبار. (٢٣)
وأمّا قصّة عيسى ـ عليهالسلام ـ فنقول : إنّما علم وجوب عقاب الكافر ، وأنّه لا يسقط بالعفو من الشرع ، لا من العقل ، فجائز أن يكون عيسى ـ عليهالسلام ـ جوّز غفران الكفر ، كما يجوز غفران الفسق ، ومع هذا الجواز لا يكون ذلك القول قادحا في عصمته. (٢٤)
وأمّا قصّة محمّد ـ عليهالسلام ـ فإنّ الذنب مصدر ، فكما تصحّ إضافته إلى الفاعل تصحّ إضافته إلى المفعول ، كما يضاف الضرب إلى الضارب وإلى المضروب. فالذنب المذكور يحتمل أن يكون من ما فعله أهل مكّة بالنبيّ ـ عليهالسلام ـ قبل الفتح ، فإنّ بتقدير إسلامهم يغفر لهم ذلك الذنب ، واضيف إلى النبي ـ عليهالسلام ـ لأنّه وقع ذلك منهم في حقّه. (٢٥)
وأمّا الضلال المنسوب إليه فجائز أن يكون إخبارا عن ضلاله بين مكّة والمدينة ، فإنّه يحكى وقوع ذلك ، وإن لم يكن متيقّنا فهو ممكن. وهذا الوجه
__________________
(٢١) سورة طه ، الآية : ٤٠.
(٢٢) سورة طه ، الآية : ١٣١ ، وسورة الجنّ ، الآية : ١٧.
(٢٣) قال الراغب في المفردات ٣٧١ : أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته.
(٢٤) قال فخر الدين الرازي في قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ ...) الجواب : المقصود من هذا الكلام تفويض الأمر إلى الله تعالى بالكلّية ، وترك الاعتراض وتحقيق معنى «لا يسأل عمّا يفعل» عصمة الأنبياء ص ٦٣.
(٢٥) ذكر في تنزيه الأنبياء وجهان آخران فراجع ص ١١٨.