(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ثم أخبر أنهم لا يأتون بشيء مما تحداهم به حتى (قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)) [الإسراء : ٨٨].
فإن قيل : ما أنكرتم أنه إنما كان التحدي عن المشركين لئلا يعارضوه؟
قلنا : نحن نعلم أنها نقلت على حد نقل القرآن ، فلو جوزنا في بعض الآيات أنها كتمت لجوّزنا في سائرها ، وأيضا فالتحدي شامل للمشركين والمؤمنين ، فلو علم المؤمنون شيئا لنفروا عنه.
وأما الأصل السادس : وهو أنهم لم يأتوا بشيء مما تحداهم به فذلك ظاهر أيضا ، فإنه لو عورض لوجب أن يكون اشتهار المعارضة أولى من اشتهار القرآن ؛ لأن القرآن يصير كالشبهة وتلك المعارضة كالحجة ، ومتى كان الأمر كذلك كانت الدواعي متوفرة إلى إسقاط أبّهة المدعي وإبطال رونقه وكان اشتهار المعارضة أولى من اشتهار الأصل.
وأما الأصل السابع : وهو أنهم إنما لم يعارضوه (فلم يأتوا بمثله لعجزهم عنه ؛ لأن دواعيهم كانت متوفرة إلى معارضته ليبطلوا به نبوته) ولا صارف لهم عن ذلك وكانوا يعلمون أنّ أمره يبطل بالمعارضة فلو قدروا عليها لفعلوها.
أما أن دواعيهم كانت متوفرة إلى إبطال أمره عليهم فذلك لا يشتبه على عاقل ، فإنه ـ عليهالسلام ـ ادعى الرئاسة عليهم في الدنيا والآخرة فيما يتصل بالنفس ، كإقامة الحدود من قتل وغيره وإتعابها في طاعته والجهاد معه ونحو ذلك ، وفي المال كأخذ الحقوق والاستعانة ونحو ذلك ، وادعى أنه على الحق وهم على الباطل ، وسفه أحلامهم وسبّ آلهتهم ، ووعدهم وأوعدهم ، ولا شيء أعظم من هذه الأشياء في تحريك طباع البشر.