وزخر (١) بحره أبلج (٢) عذبا فراتا ، لكن لما تقاصرت الهمم كادت أن تغرق الأفهام في تلك الأمواج ، ولتشعب الأقوال عليهم لم يؤمن عدم اهتدائهم إلى المنهاج ، فدعتني الهمة القاصرة إلى تعليق مختصر يكون وافيا ، وندبتني الخواطر الفاترة إلى تبيين مقاصد المختصر تبيينا شافيا من غير تطويل ممل ، ولا اختصار مخل ، ولا انتحال شيء من الأنظار ، بل أخذته من أقوال النظار ، فإن جاء حسنا فلفضل المتقدمين ، وإن غير ذلك فلقصوري الواضح المبين ، ومن الله أستمد الهداية وأستعينه في البداية والنهاية ، إنه ولي ذلك والقادر على ما هنالك :
قال المصنف مبتدئا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي بسم الله أبتدئ تأليف هذا الكتاب ، ومعناه أستعين على ذلك بالتسمية ؛ ليمنها وبركتها ، فالباء للاستعانة ، ويقدر الفعل متأخرا عنها لإفادة الاختصاص ، والبداية بالبسملة لدليلين : عقلي ، وسمعي :
أما العقلي : فلما تقرر في العقول من وجوب شكر المنعم والاهتمام به ضرورة ، والثناء باللسان هو أحد شعب الشكر ، فلا يظهر الاهتمام إلا بالتقديم.
وأما السمع : فلما ورد في الكتاب العزيز نحو : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) [هود : ٤١](إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أجذم» (٣) وقيل : أبتر ، وقيل : خداج ، روته عائشة ، وقد حسنه بعض الحفاظ ، والمعنى بذلك منزوع البركة.
__________________
(١) زخر الوادي امتد جدا وارتفع ، وبحر زاخر ، وبابه خضع ، تمت. مختار.
(٢) أبلج البلوج : الإشراق ، يقال : أبلج الصبح أضاء ، تمت. مختار.
(٣) أخرجه ابن ماجة والطبراني في الكبير والرهاوي عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» ، وأخرج أبو داود والعسكري عن أبي هريرة : «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» ، وأخرج الرهاوي عن أبي هريرة قال (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» تمت.