(قد صح منه) والمراد الصحة التي تقابل الاختيار لا الصحة التي تقابل الاستحالة كما تقدم (والفعل لا يصح إلا من قادر) ضرورة (دليل ذلك أنّا وجدنا في الشاهد ذاتين : أحدهما : إذا حاول حملا ثقيلا حمله ، والآخر : يتعذر عليه ، فالذي صح منه الفعل يجب أن يفارق من تعذر عليه ذلك).
اعلم أن هذا الدليل هو من قياس الغائب وهو الله جل جلاله على الشاهد ، وهو الواحد منا بعلة جامعة ، قالوا : لأن طرق الأدلة لا تختلف شاهدا ولا غائبا.
قالوا : وثبوت المفارقة معلوم ضرورة ، وكلام الإمام القاسم بن محمد (١) ـ عليهالسلام ـ أن صحة الفعل لا تكون إلا من قادر ضرورة. انتهى.
فالعلم بذلك ضروري ولا نحتاج إلى الاستدلال بالقياس ؛ لأن الفعل قد صح منه تعالى ، وكل من صح منه الفعل فهو قادر.
قال مولانا العلامة الإمام علي بن محمد العجري (٢) ـ رحمهالله ـ في (مفتاح السعادة) : اعلم : أن هذا الدليل المركب من القياس وما ذكره النجري (٣) مبنيان على ما ذهب إليه الأكثر أن هذه الصفة أمر وجودي زائد على الذات ، وأما على ما ذهب إليه الأئمة عليهمالسلام ومن وافقهم ممن ينفي الأحوال ، فالدليل على قادريته عندهم ما
__________________
(١) الإمام القاسم بن محمد ـ عليهالسلام ـ : هو الإمام الأجل المنصور بالله عزوجل ، أبو محمد القاسم بن محمد بن علي ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين ـ عليهمالسلام ـ ، قام بعد إياسه من خروج الإمام الناصر الحسن بن علي في المحرم سنة ست وألف ، وطهر الأرض من الردى ، ونشر فيها الإيمان والهدى ، توفي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وألف عن اثنتين وستين سنة.
(٢) هو السيد العلامة الولي بن الولي علي بن محمد بن يحيى بن أحمد بن الحسين بن محمد الملقب بالعجري ، مولده في هجرة فلله عام ١٣٢٠ ه ، وتوفي في ليلة الخميس ١٩ رجب ١٤٠٧ ه له مؤلفات منها : (مفتاح السعادة) ، (والفتاوى) وغير ذلك من الفوائد.
(٣) النجري : هو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم النجري ، توفي سنة ٨٧٧ ه ، أحد علماء الزيدية المتكلمين ، اهتم كثيرا بشرح كتب الإمام المهدي ـ عليهالسلام ـ ، ومن كتبه : (شافي الغليل في شرح آيات الأحكام) ، ومرقاة الأنظار المنتزعة من غايات الأفكار شرح القلائد للإمام المهدي من مقدمة البحر الزخار.