وعلى سبيل المثال ، فإن قطعة الخبز التي يريد الإنسان تناولها ، فإنه يستلزم وجود الوسائل كاليد والفم والعلم والقدرة والإرادة ، وأيضا وجود الخبز في الخارج ، وعدم وجود أي مانع يمنع من الوصول إليه ، وشروط أخرى من زمان أو مكان. ومع فقدان إحداها يتعذّر تحقق الفعل ، ومع تحقق كل تلك العوامل (تحقق العلة التامة) فإن تحقّق الفعل ضروري.
وكما أشرنا آنفا ، فإن ضرورة الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلة التامة تعتبر نسبة إمكان ، ولا يتنافى مع نسبة الفعل إلى الإنسان الذي هو أحد أجزاء العلة التامة.
إن الإنسان له اختيار الفعل ، وضرورة نسبة الفعل إلى مجموع أجزاء العلة ، لا يستلزم الضرورة بالنسبة إلى فعل بعض من أجزائها وهو الإنسان.
والإدراك البسيط للإنسان يؤيد هذا القول ، فإننا نراه يميّز بحكم الفطرة الإلهية المودّعة لديه ، يميّز بين الأكل والشرب ، والذهاب والإياب ، وبين الصحة والسقم ، والكبير والصغير ، والقسم الأول الذي يرتبط بإرادة الإنسان ارتباطا مباشرا ، يعتبر من إرادة الشخص ، فيحاسب في مواضع الأمر والنهي والمدح والذم ، خلافا للقسم الثاني ، الذي يترتب فيه تكليف على الإنسان.
وقد وجد في صدر الإسلام ، بين أهل السنة ، مذهبان معروفان بالنسبة إلى أفعال الإنسان ، ففريق كان يرى أن أفعال الإنسان متعلقة بإرادة الله تعالى لا تخلّف فيها ، فكان يدّعي أن الإنسان مجبور في أفعاله ، ولا أثر لما يمتاز به من اختيار وإرادة ، والفريق