كما هو متعارف بين معتنقي الأديان والمذاهب ، فهم يثبتون آراء ونظريات مذهب ما مع الأصول المسلّمة لذلك المذهب.
والقرآن الكريم يستفيد من الطريقتين ، وهناك آيات كثيرة في هذا الكتاب السماوي لكل من هاتين الطريقتين.
فهو أولا : يأمر بالتدبّر والتفكّر المطلق في كليات عالم الطبيعة وفي النظام العام للعالم ، وكذا في النظام الخاص مثل ، نظام السماء والنجوم والليل والنهار والأرض والنبات والحيوان والإنسان وغيرها ، ويثني على التتبعات العقلية الحرّة ثناء كثيرا.
وثانيا : يأمر بالتفكر العقلي الجدلي ، ويسمّى عادة بالمباحث الكلامية ، بشرط أن يتم ذلك بأحسن وجه ممكن «وذلك لإظهار الحق بدون لجاجة وأن يكون مقرونا بالأخلاق الحسنة». كما في قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).
مدى تقدم الشيعة في التفكر الفلسفي والكلامي في الإسلام
منذ اليوم الذي انفصلت فيه الأقلية الشيعية عن الأكثرية السنية ، كانت الشيعة تقيم الاحتجاجات مع مخالفيها ، في النظريات والخاصة بها التي كانت تتبناها.
صحيح أن الاحتجاج ذو طرفين ، وأن المتخاصمين شريكان في دعواهم ، ولكن الشيعة كانت تقف موقف الهجوم ، والآخرون كانوا
__________________
(١) سورة النحل الآية ١٢٥.