في موقف الدفاع ، فالذي يقف موقف الهجوم يجب أن يكون قد هيّأ الوسائل الكافية للمخاصمة ، ومن ثم الحملة والهجوم.
وكذا في التقدم الذي حظيت به المباحث الكلامية بصورة تدريجية ، في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث ، فقد وصل في رقّية إلى القمة مع انتشار مذهب الاعتزال ، فعلماء الشيعة ومحققوهم ، والذين هم تلاميذ مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، كانوا في مقدمة المتكلمين.
فضلا عن أن متكلمي أهل السنة (١) ، من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم ، يصلون في تدرجهم هذا إلى الإمام الأول للشيعة ، وهو الإمام علي عليهالسلام ، وأما أولئك الذين عرفوا آثار الصحابة ، واطّلعوا عليها ، يعلمون جيدا أن من بين جميع هذه الآثار التي تنسب إلى الصحابة (وقد دوّنت أسماء اثني عشر ألفا) لم نجد أثرا واحدا يشتمل على التفكر الفلسفي. بل ينفرد الإمام علي عليهالسلام بخطابه وبيانه المبهر في معرفة الله تعالى ، بأنه يتّصف بالتفكيرات الفلسفية الشديدة العمق.
لم تكن للصحابة ولا التابعين الذين جاءوا بعدهم ، أو العرب بصورة عامة في تلك الأيام أيّة معرفة بالتفكر الفلسفي الحرّ ، ولم نجد في أقوال العلماء في القرنين الأولين للهجرة ، نماذج من التدقيق والتتبع ، بينما نجد الأقوال الرصينة لأئمة الشيعة عليهمالسلام ، وخاصة الإمام الأول (الإمام علي عليهالسلام) والثامن
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ، أوائل المجلد الأول.