مبحث في حقيقة الروح من منظار آخر
إن الاستدلالات العقليّة تؤيد القرآن الكريم أيضا في موضوع الروح. كلّ واحد منا يدرك حقيقة من وجوده ، والتي نعبّر عنها بال «أنا» وهذا الإدراك موجود في الإنسان بصورة مستمرة ، وأحيانا ينسى بعض أعضاء جسمه من رأس أو يد أو سائر الأعضاء ، وحتى جسمه كليا ، ولكن يدرك ال «أنا» عند ما يكون هو موجودا. وهذا «المشهود» كما هو مشهود ، غير قابل للانقسام والتجزئة ، مع أن جسم الإنسان في تغيّر وتحوّل دائم ، ويتخذ أمكنة مختلفة ، وتمرّ عليه أزمنة مختلفة إلّا أنّ الحقيقة المذكورة وهي ال (أنا) ثابتة في حقيقتها لا تقبل التغيير أو التبديل ، وواضح بأنها لو كانت مادة ، لتقبلت المادة ، بما فيها الانقسام وتغيّر الزمان والمكان.
نعم إن الجسم يتقبل كل هذه الخواص ، وبما أن هذه الخواص لها ارتباط روحي ، فتنسب إلى الروح. ولكن مع تأمل وتدبر يتجلى للإنسان ، إن هذا المكان وذلك المكان ، وهذا الشكل وذلك الشكل ، وكلها من خواص البدن ، والروح منزهة عنها ، وكل من هذه الصفات إنما تنتقل إلى الروح عن طريق البدن.
يسري هذا البيان في خاصية الإدراك والشعور على (العلم) والذي هو من مميزات الروح. وبديهي أن العلم إذا كان يتصف بما تتصف به المادة ، لكان تباعا يتقبل الانقسام والتجزئة والزمان والمكان.
إن هذا البحث العقلي واسع مطوّل ، تتبعه أسئلة وأجوبة ، ولا يسعه كتابنا هذا ، وهذا المقدار من البحث إنما أدرج هنا على