قال بعضهم ، إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف الحضور بالبيت واختصموا ، فمنهم من يقول ، قرّبوا يكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول غير ذلك ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قوموا (١).
مع ما تقدم من البحث ، ومع الالتفات إلى أنّ الذين مانعوا أمر تدوين كلمة الرسول العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هم أنفسهم قد حظوا في اليوم التالي بالخلافة الانتخابية ، وكان الانتخاب دون علم علي عليهالسلام وأصحابه ، فجعلوهم أمام أمر واقع ، فهل هناك من شك في أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد تعيين علي ، ليجعله خليفة له من بعده.
وما كان الهدف من المعارضة (لتدوين أمر الرسول) إلّا جعل الجو مضطربا. كي ينصرف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الأمر ، ولم يكن الغرض وصف النبي بالهذيان ، وغلبة المرض عليه ، وذلك لأسباب :
أولا : فضلا من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طوال فترة مرضه ، لم يسمع منه كلام لا يليق بمقامه ، ولم ينقل أحد هذا المعنى ، فإنه لا يحقّ لمسلم وفقا للموازين الدينية أن ينسب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الهذيان والكلام العبث ، علما بأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مصون ومعصوم من قبل الله تعالى.
ثانيا : لو كان المراد من الكلام ، المعنى الحقيقي له ، فلا حاجة إلى ذكر العبارة التي تلتها ، «كفانا كتاب الله» إذ لو كان المراد نسبة الهذيان إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكفى ذكر مرضه ، لا أن يؤيد القرآن ، وينفي قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا الأمر لا يخفى على صحابي ، من
__________________
(١) البداية والنهاية ج ٥ : ٢٢٧ ـ شرح ابن أبي الحديد ج ١ : ١٣٣ ـ الكامل في التاريخ ج ٢ : ٢١٧ ـ تاريخ الرسل والملوك للطبري ج ٢ : ٤٣٦.