وعند ما يستمعون عن طريق الوحي الإلهي ، أن الله تعالى قد نهى عن عبادة الأوثان ، وظاهر الآية مثلا تجنب تقديس الأصنام ، فإنهم يدركون أن العبادة تختص بالله سبحانه ، وليست لأحد سواه ، لأن حقيقة العبادة هي العبودية المطلقة ، وأكثر من هذا فهم يدركون أن الخوف والرجاء لا يكون إلّا من الله ولله وحده ، ويجب ألّا يستسلموا لأهواء النفس ، ولا يجوز التوجه إلّا لله تعالى.
وعند ما يتلى عليهم حكم وجوب الصلاة ، وظاهر الحكم إقامة هذه العبادة الخاصة ، لكن بحسب الباطن يدركون أن هذه الصلاة يجب أن تتحقق بقلوبهم وبكلّ وجودهم ، وأكثر من هذا يجب عليهم أن ينسوا أنفسهم ويتفانوا في عبادة الله وحده ، فهم لا شيء تجاه الخالق.
وكما هو واضح أن المعنى الباطني المستفاد من المثالين السابقين ، لم يكن مدلولا لفظيا للأمر أو النهي بذاته بل ـ للذي جعل مجال فكره متسعا ـ يرجّع النظر إلى العالم والكون على النظر في نفسه ، وما تنطوي عليه من أنانية وحب للذات.
ومع هذا البيان ، يتبين معنى ظاهر القرآن وباطنه ، وكذلك يتضح أن باطن القرآن لا يلغي ولا يبطل ظاهره ، بل إنه بمنزلة الروح التي تمنح الجسم الحياة ، وبما أن الإسلام دين عام ، شامل وأبدي ، فهو يهتم أولا وقبل كل شيء بإصلاح المجتمع البشري ، ولا يتخلّى عن الأحكام الظاهرية والتي مؤدّاها إصلاح المجتمع ، وكذا لا يتخلّى عن الاعتقادات البسيطة والتي تعتبر حارسة للأحكام المشار إليها.
فكيف يمكن لمجتمع أن ينال السعادة بالاقتناع أن الإنسان يكفيه