أن يتمّ البيع مشى خطوات حتى يُفَارِقَه» وإذا لم يجعل التَّفَرُّق شرطا في الانعقاد لم يكن لذكره فائدة ، فإنه يعلم أن المشتري ما لم يوجد منه قبول البيع فهو بالخيار ، وكذلك البائع خياره ثابت في ملكه قبل عقد البيع.
والتَّفَرُّق والافْتِرَاق سواء ، ومنهم من يجعل التَّفَرُّق بالأبدان ، والافْتِرَاق في الكلام. يقال : فَرَقْتُ بين الكلامين فافْتَرَقَا ، وفَرَّقْتُ بين الرجلين فتَفَرَّقَا.
ومنه حديث ابن مسعود «صلّيت مع النبيِّ صلىاللهعليهوسلم بمنى ركعتين ، ومع أبي بكر وعمر ثم تَفَرَّقت بكم الطّرق» أي ذهب كلّ منكم إلى مذهب ومال إلى قول وتركتم السّنة.
(ه) ومنه حديث عمر «فَرِّقُوا عن المنيّة واجعلوا الرّأس رأسين» يقول : إذا اشتريتم الرّقيق أو غيره من الحيوان فلا تغالوا في الثمن واشتروا بثمن الرأس الواحد رأسين ، فإن مات الواحد بقي الآخر ، فكأنّكم قد فَرَّقْتم مالكم عن المنيّة.
وفي حديث ابن عمر «كان يُفَرِّقُ بالشّكّ ويجمع باليقين» يعنى في الطّلاق ، وهو أن يحلف الرجل على أمر قد اختلف الناس فيه ولا يعلم من المصيب منهم ، فكان يُفَرِّقُ بين الرجل والمرأة احتياطا فيه وفي أمثاله من صور الشّك ، فإن تبيّن له بعد الشك اليقين جمع بينهما.
وفيه «من فَارَقَ الجماعة فميتته جاهليّة» معناه كلّ جماعة عقدت عقدا يوافق الكتاب والسّنة فلا يجوز لأحد أن يُفَارِقَهم في ذلك العقد ، فإن خالفهم فيه استحقّ الوعيد. ومعنى قوله «فميتته جاهلية» : أي يموت على ما مات عليه أهل الجاهليّة من الضّلال والجهل.
وفي حديث فاتحة الكتاب «ما أنزل في التّوراة ولا الإنجيل ولا الزّبور ولا في الفُرْقَان مثلها» الفُرْقَان من أسماء القرآن : أي أنه فَارَقَ بين الحق والباطل ، والحلال والحرام. يقال : فَرَقْتُ بين الشّيئين أَفْرُق فَرْقا وفُرْقَاناً.
ومنه الحديث «محمّد فَرْقٌ بين الناس» أي يَفْرُق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه.
(س) ومنه الحديث في صفته عليه الصلاة والسلام «أنّ اسمه في الكتب السالفة فَارِق ليطا» أي يَفْرُق بين الحق والباطل.