المَوْضِع فهذه أنواءُ الخَريفِ فهذه أمطارُ جميع السنةِ قد ذكرنا أنواءَها وصَنَّفْناها وذَكرْنا مواقيتَها* قال أبو حنيفة* وأنتَ اذا قِسْتَ ذلك الى أوقاتها ببلادِنا هذه وببلادِ العِراقِ وجدتَ وقتَ المطر الذى وَصَفْناه ببلاد العرب مُتَقَدِّما لوقته ببلادنا وعَسَى أن تَظُنَّ من أجْلِ بَرْدِ بِلادِنا أنه ينبغى أن يكون بها أسرعَ فلا تظنَّنَّ ذلك فانه هنالك أسرعُ وقد صَدَقَ ابن كُناسةَ فى قوله ان أهلَ اليمن يُمْطَرُونَ فى القَيْظ ويُخْصِبُون فى الربيع ـ يعنى بالربيع الزمانَ الذى هو عندنا وعند أهل العراق الشتاءُ وان أهل العراق يُمْطَرُونَ فى الشتاء ويُخْصِبُون فى الصيف وهذا كما قال واذا أحببتَ أن تَسْتَيْقِنَ ذلك فانْظُر الى زمانِ مَدِّ النِّيل فانه فى صَمِيم القيظِ وانما يُمَدُّ من أمْطارِ البلادِ التى منها يُقْبِلُ وهى وَراءَ عَدَنَ غَرْبًا وجَنُوبا وكذلك أمطارُ السِّنْدِ والهِنْدِ وأرضِ السُّودانِ تَبْتَدِئُ والشمسُ فى السَّرطانِ أو فى الاسدِ وذلك خالصُ القيظِ وذلك قبلَ ابتدائِها باليَمن لان اليَمَنَ أقَلُّ طَعْنا فى الجَنُوب منها وكذلك اليمنُ وهى متقدمة فى هذا على أرضِ نَجْدٍ والحجازِ وأرضُ الحجازِ ونَجْدٍ متقدمةٌ فى ذلك على العراقِ وانما جاء حَمْدُهم بعضَ الانواء وذَمُّهم بعضا من قِبَلِ مواقِع الأمْطار التى تكون فى أيامها فأىُّ كَوْكَبٍ جاء وقتُ نَوْئِه فصادَفَ المطرُ الذى يكون فيه من الزمانِ ومن البلدِ مُوافِقَةُ ونَجَعَ فَتَبَيَّنَ خَيْرُه ونَفْعُه حَمِدُوا ذلك النَوْءَ وأضاءُوا حَمْدَه الى الكوكب ونَوَّهُوا به وأىُّ كوكبٍ لم يُصادِفْ المطرُ الذى يكون فى أيام نَوْئِه من الزمانِ مُشَاكِلَةُ ولا من الارض مُوافِقَةُ فلم يَنْجَعْ أو ظَهَر منه نَفْعٌ أو حَدَثَ منه ضررٌ أضافُوا ذلك الى الكواكبِ فَذَمُّوه وسَمَّوْا نَوْءَهُ به حتى كانَّ الفعلَ فى ذلك فِعْلُ الكوكبِ ولما جَرَّبُوا هذه الامورَ فى القديم وطالَ اخْتِبارُهم لها فَوَجدُوها ثابتةً على مَراتبها أكْثَرَ ذلك صَرَفُوا القولَ فى المَدْحِ والذمِّ على ما ثَبَتَ فى التجارِب وألْزَمُوا الكوْكَبَ ذلك وصارَ قَوْلاً مَأثُورا محفوظا يأخُذُه الآخِرُ عن الاوَّلِ وهذه أمورٌ قَدَّرها الخَلَّاقُ العليم فأوْدَعَ الاشياءَ طَبائعَ منها المُتَسالِمةُ ومنها المُتَعادِية ومنها المُشاكِلةُ ومنها المُخالِفةُ والمُسالِمُ سِلْمٌ لمُسالِمَه والمُعادِى عَدُوُّ لمُعادِيهِ والمُشاكِلُ قُوَّةٌ لِشَكْلِه وزيادةٌ فيه والمُخالِفُ ضَرَرٌ لمُخالِفه ثم أرْسَلَها تَتَدانَى وتَتَلاقَى فلا تَنْفَكُّ أبدَالاً بِيدِ من تَغَيُّرٍ وتَبَدُّلٍ اما بفسادٍ واما بصَلاحٍ وذلك أيضا على قِلَّةٍ وكَثْرةٍ فصَلاحُ كُلِّ شئٍ فَسادٌ لما خَالَفَه وكذلك فسادُه صلاحٌ لما خالَفَه وذلك أقوى