والثاني : إن اختصاص ذلك الجزء الواحد. بذلك الاستعداد الخاص مع كون سائر الأجزاء مخالفة له في تلك الصفة. قد بينا : أنه محال. فثبت بما ذكرنا : فساد الأقسام الثلاثة، وذلك يبطل القول بأن النفس : جسم.
الحجة السادسة في المسألة : أن نقول : لا بد من الاعتراف بوجود شيء واحد يكون موصوفا بجميع أنواع الإدراكات لجميع أنواع (١) المدركات ويكون هو المباشر لتلك الأفعال. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن تكون النفس غير جسم ، وغير جسماني. وهذا الدليل ، إنما يتم بتقرير مقدمات ثلاثة :
أولها : إن الموصوف بجميع الإدراكات شيء واحد.
وثانيها : إن ذلك الشيء ، كما أنه هو الموصوف بجميع الإدراكات ، فكذلك هو الفاعل لجميع الأفعال.
وثالثها : إنه لما كان الأمر كذلك ، وجب أن يقال : النفس ليست جسما ، ولا حالة في الجسم.
أما المقدمة الأولى : فالدليل على صحتها : إنا إذا رأينا لون العسل حكمنا بأن طعمه: الحلاوة. والقاضي على الشيئين ، لا بد وأن يحضره المقضي عليهما ، فوجب وجود شيء يكون هو بعينه مدركا للألوان والطعوم ، حتى يمكنه أن يحكم بأن هذا الملون هو ذلك المطعوم.
وأيضا : إذا سمعنا صوتا مخصوصا حكمنا بأن صاحب هذا الصوت هو فلان ، الذي صورته كذا وكذا ، فلا بد هاهنا من شيء واحد ، يكون هو بعينه [سامعا للأصوات ، ومبصرا للصور ، حتى يمكنه أن يحكم بأن صاحب هذا الصوت هو بعينه صاحب تلك الصورة. فثبت : أنه لا بد من وجود شيء يكون هو بعينه (٢)] مدركا لجميع المحسوسات بالحواس الخمسة. ثم نقول :
__________________
(١) أقسام (ط).
(٢) من (طا ، ل).