إن ذلك الحاس هو بعينه المتخيل. وذلك لأنا إذا تخيلنا صورة «زيد» أو تخيلنا صوته ، أو تخيلنا طعم العسل أو رائحته ، أو حرارة النار ، أو برودة الماء. فإذا أحسسنا بإحدى الحواس الخمسة [أحد هذه المحسوسات (١)] حكمنا : بأن هذا المحسوس هو بعينه ذلك المتخيل ، والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما ، فوجب الإقرار بوجود شيء يكون بعينه الحساس ويكون هو بعينه ذلك المتخيل. ثم نقول : إن القوى الوهمية عند القوم : عبارة عن قوة تحكم على الأشخاص المحسوسة بمعان جزئية غير محسوسة ، مثل : الحكم على هذا الشخص بأنه عدو ، وعلى ذلك الآخر بأنه صديق ، والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما ، فوجب الاعتراف بوجود شيء واحد يكون هو بعينه مدركا لهذه الصور ، ولهذه المعاني ، حتى يمكنه أن يحكم على تلك الصور بهذه المعاني. ثم نقول : القوة المفكرة هي التي تقوى أولا. على تركيب الصور بعضها بالبعض.
وثانيا. على تركيب المعاني بعضها بالبعض (٢). وثالثا. على تركيب بعض الصور ببعض المعاني. ورابعا. على تحليل بعضها عن البعض. ولا شك أن هذا التركيب والتحليل حكم على البعض بثبوت البعض الآخر ، أو بسلبه عنه.
والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما ، فلا بد من شيء واحد يكون هو الحساس للكل ، ويكون هو بعينه [المتخيل للكل ، ويكون هو بعينه المدرك للصور والمعاني ، ويكون هو بعينه (٣)] المتصرف فيها بأسرها بالتركيب تارة ، وبالتحليل أخرى. ثم نقول : إنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص بأنه إنسان وأنه ليس بفرس. والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما ، فلا بد من شيء واحد يكون هو بعينه مدركا لهذا الجزئي ولهذا
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) بعض الأجزاء (م ، ط).
(٣) من (طا ، ل).