بعد موته : ميت ، ولو جاز الشك في موته ، لجاز أن يقال : إن جميع الجمادات أحياء عاقلة ناطقة ، وذلك يوجب القول بالسفسطة وزوال العقل. فثبت بمقتضى بديهة العقل : أن بعد موت البدن ، يكون الجسد ميتا. والله تعالى نص على أن ذلك الإنسان حي بعد هذا الموت ، وحينئذ نقول : الإنسان ليس بميت بعد موت البدن ، وأما البدن وجميع اجزائه فإنه ميت بعد موته ، ينتج من الشكل الثاني [أن الإنسان (١)] شيء مغاير للبدن ، ولجميع أجزائه وأبعاضه. وهذا كلام في غاية القوة.
وأما تقرير هذا المعنى في حق الأشقياء : فهو قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٢) وقوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٣) والمراد : أن شرح تعذيب أولئك الكفار والفساق وتعذيبهم ، لا يتم إلا إذا كانوا أحياء عقلاء يميزون بين العذاب وبين الراحة.
فهذا يقتضي كون أولئك الكفار والفساق أحياء بعد موت البدن ، وحينئذ يرجع القياس المنعقد من الشكل الثاني. وأيضا : فالقرآن والأخبار ناطقة بحصول ثواب القبر تارة ، وبحصول عذاب القبر. وذلك يدل على أن المكلف حي بعد موت هذا البدن ، وهذا يدل على القطع (٤) بأن المكلف شيء مغاير لهذا البدن.
__________________
ـ موت التقى حياة لا فناء لها |
|
قد مات قوم ، وهم في الناس أحياء |
فالمعنى : أنهم يرزقون الثناء الجميل» أ. ه وعلى رأي القوم هذا : لا يكون نعيم في القبر. ويكون رأي الإمام الرازي غير ملزم إلا لمن يلزم نفسه به.
(١) سقط (ل).
(٢) غافر ٤٦ وفي تفسير القرطبي : أن الفراء النحوي جعل في الآية تقديما وتأخيرا. وعلى رأيه لا يكون عذاب في القبر. قال إن معنى الآية : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. والأحسن من رأيه : أن كلمة (النَّارُ) مجاز عن الشدائد التي أصابتهم في الحياة الدنيا ، وهي الأخذ بالسنين ونقص من الثمرات.
(٣) نوح ٢٥ وفي تفسير القرطبي : إن منكري عذاب القبر يقولون في تفسير الآية : «صاروا مستحقين دخول النار ، أو عرض عليهم أماكنهم من النار».
(٤) أن القطع (ل).