وأما القائلون باختلاف جواهر النفوس. فقد احتجوا عليه بوجوه اعتبارية قوية.
الحجة الأولى : إن الإنسان الواحد قد ينتقل من المزاج الحار ، إلى المزاج البارد ، وكذا القول في الرطب واليابس ، وأما قوة الإدراك ، وقوة الأخلاق ، فهي باقية بحالها من أول العمر إلى آخره ، من غير تفاوت أصلا ، مثل إنسان صفراوي المزاج استولى عليه [الحمى البلغمية أو الاستسقاء أو الفالج. ومثل انسان بلغمي المزاج استولى عليه (١)] حمى الغب والسرسام الحار ، فإن كل واحد من هؤلاء ؛ يبقى على المقدار الأول الذي كان له من الإدراك والخلق ، ولو كان الاختلاف الحاصل في قوة الإدراك والفعل ، معللا باختلاف الأمزجة ، لوجب أن يحصل اختلاف حال الإدراك والخلق ، عند اختلاف [أحوال (٢)] الأمزجة. ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا : أن ذلك ليس لأجل الأمزجة ، بل لاختلاف ماهيات النفوس.
الحجة الثانية : إنا نرى إنسانين يختلفان في التركيب البدني ، والتأليف المزاجي جدا ، مع أنهما يتشابهان في قوة الإدراك (٣) والخلق جسدا. ولما رأينا : أن المساواة في المزاج ، قد تنفك عن المساواة في الأحوال النفسانية ، والاختلاف في المزاج قد ينفك عن الاختلاف في الأحوال النفسانية ، علمنا : أن كل واحد من هذين البابين : أصل بنفسه ، ولا تعلق لأحدهما بالآخر.
الحجة الثالثة : إن الأعضاء البدنية آلات للنفوس في الأعمال المختلفة ، وكون الآلة صالحة لا يقتضي حصول ملكة تلك الأفعال في ذوات الفاعلين [ألا ترى (٤)] أن «النجار» إذا كان «قدومه» شديد الصلاحية للنحت ، وكان «منشاره» شديد الصلاحية للنشر ، وكانت «مثقبته» شديدة الصلاحية
__________________
(١) سقط (م ٢ ، ر ط).
(٢) من (ل).
(٣) الإدراك جدا (ل).
(٤) سقط (طا ، ل).