الصفات ، ولهذه الأحوال ، وتلك الأحوال (١) تسمى عند بعضهم : بالهباءات وليس فيها إلا مجرد القبول والطاعة والانقياد. ولما كان الجود بإعطاء الوجود ، لا يصح إلا من الموجود ، وكان القبول والتأثر لا يحصل إلا عند حصول العدم ، لا جرم قيل في الكتاب الإلهي : (وَاللهُ الْغَنِيُّ ، وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٢).
إذا عرفت هذا ، فنقول : [من الظاهر (٣)] أن الوجود أشرف من العدم ، ولهذا السبب كان أشرف الموجودات : المؤثر الذي لا يتأثر ، وهو الله سبحانه وتعالى وأخسها : المتأثر الذي لا يؤثر ، وهو الهيولى.
وأما القسم الثالث من أقسام الموجودات : وهو الذي يؤثر ويتأثر معا. فهو عالم الأرواح والنفوس ، ويجب البحث هاهنا عن أمرين :
الأول : إثبات أنها متأثرة. والدليل عليه : أن واجب الوجود لذاته : واحد ، فيكون كل ما سواه : ممكنا لذاته. فهذه الأرواح والنفوس ممكنة لذواتها. والممكن لذاته لا يوجد إلا بمؤثر ، فثبت أن هذه الأرواح قابلة للأثر.
الثاني : إثبات أنها مؤثرة ، وهاهنا [يحصل (٤)] البحث العظيم.
فمن الثاني : من زعم : أنه لا يؤثر إلا الواحد ، الذي هو واجب الوجود لذاته. واحتج (٥) عليه بوجوه :
الحجة الأولى : إن كل ما كان ممكنا لذاته ، فإن ماهيته مقتضية للإمكان ، فلو كانت مؤثرة في وجود غيرها ، لكانت الماهية الواحدة اقتضت أثرين ، وهذا محال. وهذه الحجة مستقيمة على أصول الفلاسفة من وجهين :
الأول : إن عندهم الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.
__________________
(١) الأجزاء (م). الأحوال (طا).
(٢) محمد ٣٨.
(٣) من (ل).
(٤) من (ل).
(٥) واحتجوا (طا) ، (ل).