فالأول : موضع التخيل. والثاني : موضع التفكر. والثالث : موضع التذكر.
فالتجويف [الأول (١)] يجب أن يكون مائلا إلى الرطوبة ، لتنطبع فيها [صور الأشياء (٢)] بسهولة ، فإن كان هذا البطن ، عظيم الرطوبة ، ضعفت تخيلاته ، لأن الرطب يكون سريع الأخذ ، سريع الترك. وإن كان مائلا إلى اليبس ، ضعفت أيضا هذه التخيلات ، لأن اليابس بطيء الأخذ ، بطيء الترك. أما إذا كان معتدلا ، كان جيد التخيل ، سريع التعلم لما يسمعه ويقرؤه ، وتورده عليه حواسه. ولذلك صار التعليم في وقت الصبا أحسن من غيره ، لأن في وقت الصبا تكون الأرواح الدماغية رطبة فيسهل قبولها لتلك الصور. ثم كل ما ازداد السن ، ازداد اليبس المانع من زوال الصور. وأما الأرواح الحاصلة في التجويف الأوسط ، فيجب أن تكون مائلة إلى الحرارة ، لأن الفكر إنما يتأتى بإلحاق شيء بشيء وذلك نوع حركة. والحركة إنما تتم بالحرارة ، فالفكر لا يتم إلا بالحرارة.
ثم نقول : إن كانت هذه الحرارة كثيرة ، كان ذلك الروح شديد الالتهاب ، فكانت تلك الأفكار مشوشة [وإن كانت تلك الحرارة (٣)] ناقصة قليلة ، كان الفكر في النقصان أو البطلان ، وكان صاحبه بليدا ، غليظ الطبع. وأما إن كان معتدلا في الحرارة والبرودة ، كان صاحبه مستقيم الفكر ، سريع الجواب ، حسن الاستنباط. وأما الأرواح الحاصلة في التجويف المؤخر ، فيجب أن تكون مائلة إلى اليبس ، لأن الحفظ لا يتم إلا باليبس. فإن قلت هذه الصفة ضعف الحفظ ، وغلب النسيان.
والسبب الثاني : إنه قد يحصل في المجرى الذي بين التجويف المقدم ، إلى التجويف المتوسط : جسم شبيه بالدودة ، وله قوة أن يمتد تارة ويقصر
__________________
(١) سقط (طا).
(٢) سقط (م) ، (ط).
(٣) (م).