وأما القسم الثاني : وهو الذي لا يفهم الشيء فهما صحيحا. فهذا الخلل إما أن يقع بسبب التشويش ، أو بسبب النقصان ، أو بسبب البطلان والخلل الحاصل بسبب التشويش أردأ من الخلل الحاصل بسبب النقصان والبطلان لأن الخلل الحاصل بسبب التشويش يفيد الجهل المركب وأما الخلل الحاصل بسبب النقصان والبطلان فإنه لا يفيد إلا الجهل البسيط. ثم لكل واحد من هذه المراتب الثلاثة أعني التشويش والنقصان والبطلان : مراتب لا نهاية لها.
النوع الرابع من أقسام هذا الباب : الاختلاف الحاصل بحسب الحفظ والفهم. فالإنسان قد يكون قويا فيهما وهو نادر. لأن الفهم يستدعي لطافة روح الدماغ ، والحفظ يستدعي كثافته ، فإن اجتمعا كان ذلك السبب المستفاد من جوهر النفس ، لا بسبب المزاج البدني ، وقد يكون مقصرا فيهما ، وقد يكون قويا في أحدهما ، ضعيفا في الثاني ، ثم الناسي قد يكون قادرا على التذكر والاستعادة على سبيل السهولة ، وقد يكون متوسطا ، وقد يكون عاجزا جدا.
فهذا هو التنبيه على اختلاف الناس في هذا المقام.
وأما العلوم العملية المعتبرة في إصلاح المعاش : فالناس مختلفون فيها جدا. فقد يسهل عليه تعلم حرفة صعبة ، مع أنه يشق عليه تعلم حرفة خسيسة.
وقد يكون قادرا على إصلاح مهمات السوق والبيع والتجارة ، وعاجزا عن إصلاح مهمات البيت ، وقد يكون بالضد من ذلك. فهذا هو الإشارة إلى اختلاف [أحوال (١)] الناس في الصفات الحاصلة بحسب القوة النطقية الدماغية.
واعلم : أن السبب المزاجي لهذه الأحوال المختلفة : اختلاف حال الدماغ. وذلك من وجوه :
الأول : إن الدماغ له ثلاث تجويفات :
__________________
(١) من (ل).