البعض ، ناقصا في البواقي ، وهذا أيضا مختلف الحال. فقد يكون الإنسان كامل القدرة على تحصيل نوع دقيق غامض من العلوم ، وقد يكون عاجزا عن تحصيل نوع آخر [خسيس ضعيف (١)] وقد رأيت أقواما كانوا أقوياء في المنطق والهندسة ، فلما خاضوا في النحو والتصريف ضعفت عقولهم ، وتبدلت أذهانهم ، بل قد رأيت جماعة كانوا أقوياء في الهندسة وضعفاء في الحساب ، مع شدة القرب بينهما.
والنوع الثاني من الاختلاف في هذا الباب : أن فيهم من يكون السريع الحفظ بطيىء النسيان. وهذا هو القسم الأشرف. وفيهم من يكون بطيء الحفظ سريع النسيان ، وهو القسم الأخس ، ومنهم من يكون سريع الحفظ سريع النسيان ، أو بطيء الحفظ بطيء النسيان. وهذان القسمان متوسطان.
والنوع الثالث : الاختلاف الحاصل بحسب الفهم. فإن الإنسان إما أن يفهم الشيء فهما صحيحا. وإما أن لا يكون كذلك. أما الذي يفهم فهما صحيحا. فيعتبر حاله من وجهين :
أحدهما : أن هذا الفاهم قد يقدر على الاستنباط ، وقد لا يقدر. والقادر على الاستنباط قد يقدر عليه في الأشياء العالية ، وقد يقدر عليه في الفروع الخسيسة الضعيفة.
وثانيهما : أن الإنسان قد يكون بحيث إذا علمته مسألة تعلمها سريعا ، إلا أن تلك المسألة التي تعلمها ، إذا اختلطت بالكلمات الأجنبية ، وامتزجت بالمقدمات التي لا تناسبها ، فإن ذلك الإنسان لا يعرف أن هذه المسألة هي [تلك المسألة (٢)] التي تعلمها وأحكمها ، وقد يكون بحيث إذا تعلّم مقدمة وعرفها ، ثم اختلطت تلك المقدمة بألف مقدمة أجنبية غريبة عنها ، فإنه في الحال يعرفها ، ويعلم أنها هي تلك المقدمة التي عرفها أولا ، وكنت أسمي القسم الأول بالخاطر الضعيف ، والثاني بالخاطر القوي.
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (م) ، (ط).