بأن أول عضو يتخلق من البدن ، هو القلب.
وأما القياس (١)] فمن وجهين (٢) :
الأول : إن المني جسم مركب من الطبائع الأربعة ، والهوائية والنارية غالبة عليه. والدليل عليه : أن بياض الرطوبات ، إنما يحصل بسبب اختلاط [الأجزاء (٣)] الهوائية بها ، كما يكون في البرد ، فوجب أن يكون بياض المني لهذا السبب. ويتأكد ما ذكرناه : بأن المني إذا ضر به البرد رق ، وزال بياضه ، مع أن البرد أولى بالتكثيف. وذلك يدل على أن بياضه ، إنما كان لأجل أنه اختلط به أجزاء كثيرة من الأجزاء النارية والهوائية ، فلما ضر به البرد ، فارقته تلك الأجزاء النارية والهوائية ، فزال بياضه.
وإذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى قدر بحكمته : أن الأجزاء الأرضية والمائية الموجودة في المني ، تصير مادة للأعضاء ، وأما الأجزاء الهوائية والنارية التي في المني ، فإنه تعالى يجعلها مادة للأرواح [الإنسانية (٤)] إلا أن تلك الأجزاء الكثيفة واللطيفة تكون مختلطة بعضها بالبعض في أول الأمر ، لكن الجنسية علة الضم ، فلا جرم تنضم الأجزاء اللطيفة بعضها إلى البعض ، والأجزاء الكثيفة بعضها إلى البعض. ولما كان اللطيف سريع التحلل ، اقتضت الحكمة الإلهية جعل تلك الأجزاء اللطيفة في وسط ذلك الجسم ، وجعل تلك الأجزاء الكثيفة محيطة بها ، وصونا لها. وعند هذا يصير جرم المني كالكرة المستديرة ، ويكون باطن تلك الكرة مملوءا من تلك الأجزاء اللطيفة الهوائية والنارية ، ويكون ظاهرها متولدا من تلك الأجزاء الكثيفة. وذلك الموضع الذي صار موضعا لتلك الأجزاء اللطيفة ، هو الموضع الذي إذا استحكم ، صار قلبا. فلهذا السبب قال أهل التشريح : «أول الأعضاء حدوثا ، هو القلب ، وآخرها موتا هو القلب».
__________________
(١) من (ل ، طا).
(٢) وجوه : الأصل.
(٣) من (م).
(٤) سقط (ل).