والوجه الثاني في بيان أن أول الأعضاء حدوثا هو القلب : إن البدن (١) لا يتكون ولا يتولد إلا بواسطة الحرارة الغريزية ، وهذه الحرارة إنما تقوى وتكمل إذا كانت مجتمعة ، ومجمعها هو القلب. فوجب أن يكون [تكوّن (٢)] القلب سابقا على تكون سائر الأعضاء. فثبت : أن النفس واحدة ، وثبت : أن أول الأعضاء حدوثا هو القلب. ودلت التجارب الطبية : على أن المتعلق الأول للنفس هو الروح ، فوجب أن يكون تعلق النفس بالقلب ، قبل تعلقها بسائر الأعضاء ، فوجب أن يكون العضو الرئيسي المطلق ، هو القلب.
الحجة الثانية : إن العقلاء يجدون الفهم والإدراك والعلم من ناحية القلب. فعلمنا : أن القلب محل للعلم بواسطة تعلق النفس بالقلب ، وإذا كان محل [العلم هو القلب وجب أن يكون محل (٣)] الإرادة هو القلب [لأن المريد للشيء يجب أن يكون عالما به ، وذلك الذي هو المريد يجب أن يكون بعينه عالما. وإذا كان محل الإرادة هو القلب ، وجب أن يكون محل القدرة هو القلب. لأن (٤)] ذلك الذي هو القادر يجب أن يكون بعينه هو المريد. فثبت : أن مجموع كل هذه الصفات هو القلب. قال «جالينوس» : «مسلم : أن القلب محل الغضب. فأما أنه محل الإدراك والشعور ، فباطل» وجوابه : أن الغضب عبارة عن دفع المنافي ، ودفع المنافي لا يصح إلا بعد الشعور بكونه منافيا ، فلما سلم أن القلب محل الغضب ، لزمه تسليم أن القلب محل العلم والإدراك.
الحجة الثالثة : لا نزاع في أن النفس الحيوانية يجب كونها حساسة (٥) متحركة بالإرادة، فإذا تعلقت النفس الحيوانية بالقلب ، وجب أن تكون تلك النفس حساسة متحركة الإرادة ، وذلك يقتضي أن يصير القلب منبعا للإدراك
__________________
(١) الحيوان (م).
(٢) من (ط).
(٣) سقط (م) ، (ط).
(٤) من (ل) ، طا).
(٥) جسمانية (ل ، طا).