إلى مؤثر غير معين. والثاني باطل ، لأن المؤثر الذي لا يكون معينا في ذاته امتنع وجوده في نفسه [لأن كل ما كان موجودا في نفسه (١)] فهو معين في ذاته ، وما لا يكون معينا في ذاته ، امتنع كونه موجودا في ذاته ، وما لا وجود له في ذاته ، امتنع احتياج غيره في الوجود إليه. فثبت : أن الإمكان (٢) لا يحوج إلا إلى شيء معين. فوجب إسناد كل ممكن إليه. فثبت : أنه لا مؤثر إلا الواحد.
فهذا تقرير هذا القول.
وأما الجمهور الأعظم من أهل العالم. فقد أثبتوا مؤثرات كثيرة. قالوا : وكيف يمكننا إنكار ذلك ، ونرى النار [مؤثرة (٣)] في الإحراق ، والشمس في الإشراق ، والخبز في الشبع ، والماء في الري؟ ثم قالوا : والأرواح مؤثرة في عالم الأجسام ، ومدبرة لها ، ومتصرفة فيها. وأكدوا أقوالهم تارة بوجوه فلسفية ، وأخرى برموز نبوية. ألا ترى : أنه جاء في الكتاب الإلهي في صفات الملائكة : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤)؟ وقال أيضا : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥) وإذا ثبت هذا ، فقد ظهر أن عالم الأرواح متوسط بين العالم الإلهي ، وبين العالم الجسماني ، لا توسطا بالحيز والمكان ، بل توسطا بالشرف والرتبة. فهي من حيث إنها متأثرة (٦) عن العالم الإلهي ، كانت أدون منه ، ومن حيث إنها مؤثرة في عالم الأجسام ، كانت أعلى وأجل منها ، فلا جرم كانت درجة الأرواح متوسطة بين الدرجتين.
إذا عرفت هذا فنقول : الروحانيات لها مراتب ودرجات :
فالمرتبة الأولى : وهي أعلى مرتبة ، وأجلها رتبة : الذين يكونون
__________________
(١) من (ل).
(٢) الإمكان يحوج إلى (م).
(٣) سقط (طا).
(٤) الذاريات ٤.
(٥) النازعات ٥.
(٦) مؤثرة من (ل).