أشخاص الناس : نفسا واحدة بالعدد. ولو كان الأمر كذلك ، لكان ما علمه إنسان ، فقد علمه كل إنسان ، وما جهله إنسان فقد جهله كل إنسان. ومعلوم أنه باطل.
وأما الثاني : وهو أن يقال : النفوس كانت واحدة قبل تعلقها بالأبدان. ثم إنها عند تعلقها بالأبدان : صارت متعددة. فهذا محال. لأن هاتين النفسين المتشخصتين. إما أن يقال : إنهما كانتا موجودتين في الأزل [أو ما كانت موجودتين في الأزل. فإن كانتا موجودتين في الأزل ، فقد كان التعدد حاصلا في الأزل (١)] وقد فرضنا أنه ما كان حاصلا. هذا خلف. وإن قلنا : إنهما ما كانتا موجودتين في الأزل ، كان وجودهما حاصلا بعد العدم. وهذا يوجب القول بحدوثهما ، ويمنع من القول بقدمهما وهو المطلوب. وإنما قلنا : إنه يمتنع القول بأنها كانت متعددة في الأزل ، لأن التعدد لا يحصل إلا إذا امتازت كل واحدة منها عن الأخرى في أمر من الأمور. وذلك الامتياز إما أن يكون حاصلا بالماهية أو بلوازمها [أو بعوارضها (٢)] والأول باطل. لأنه ثبت أن النفوس الناطقة البشرية متساوية في الماهية. وإن نازع منازع في هذه المقدمة ، إلا أنه لا أقل من أن توجد نفسان متساويتان في الماهية. وهذا القدر يكفينا في تقرير هذا الدليل. والثاني أيضا باطل. لأن لوازم الماهية مشترك فيها بين أفراد الماهية. والوصف المشترك فيه يمتنع أن يفيد (٣) الامتياز. والثالث أيضا باطل. لأن اختلاف الأمثال (٤) بسبب العوارض المفارقة ، لا يحصل إلا بسبب التغاير في المادة. ومواد النفوس هي الأبدان فقبل حصول الأبدان كانت المواد مفقودة ، فوجب أن يمتنع حصول التغاير بينها بسبب الأعراض المفارقة. فثبت : أن حصولها في الأزل على نعت الوحدة محال وعلى نعت التعدد أيضا : محال. فوجب القطع بأنه يمتنع حصولها في الأزل.
__________________
(٢) سقط (م).
(٣) يقبل (م).
(١) الماهيات (م).
(٤) الماهيات (م).