الأول : أن نقول : لم لا يجوز أن يقال : إنها في الأزل كانت واحدة ، ثم صارت عند التعلق بالأبدان متعددة؟ قوله : «هاتان النفسان المعينتان. إما أن يقال : إنهما كانتا موجودتين في الأزل ، أو ما كانتا موجودتين في الأزل» قلنا : هذا الدليل جيد في نفسه ، إلا أنه لا يستقيم على أصولكم. وذلك لأنكم تقولون : إن هذا الماء ، كان واحدا في ذاته ، وعند القسمة يحصل ماءان. فيقال لكم هذان الماءان. هل كانا موجودين قبل حصول هذه القسمة ، أو ما كانا موجودين؟ فإن كان الأول فذلك الماء ، قبل هذه القسمة ما كان ماء واحدا في ذاته ، بل كان مركبا مؤلفا من الأجزاء. وحينئذ يبطل قولكم إن الجسم البسيط واحد من نفسه. وإن قلتم : إن هذين الماءين الحاصلين بعد القسمة ، ما كانا موجودين من قبل القسمة ، فيلزم أن يقال : إن هذين الماءين حدثا الآن ، وذلك الماء الذي كان واحدا قبل القسمة ، فيلزم أن يقال : إن هذين الماءين حدثا الآن ، وذلك الماء الذي كان واحدا قبل القسمة : قد فني وعدم عند حصول هذه القسمة. فيكون التقسيم إعداما للماء الأول ، وإيجادا للماء الثاني. وذلك لا يقوله عاقل. فثبت بهذا : أن الدليل الذي ذكرتم في امتناع أن تتعدد النفوس بعد وحدتها : قائم بعينه في الأجسام. مع أنكم لا تقولون به ، فكان الإلزام واردا.
فإن قالوا : نحن لا نذكر في إبطال هذا القسم : هذا الدليل الذي ذكرتم. بل تذكر كلاما آخر ، وهو أن نقول : كل ما انقسم بعد أن كان واحدا ، فهو جسم. ونحن قد بينا : أن النفس ليست بجسم. فنقول : هذا الكلام ضعيف. لأنه يصدق أن يكون الجسم واحدا ، ثم يتعدد. ولا يلزم من صدقة أن كل ما كان واحدا ثم تعدد ، فإنه يكون جسما [لأن الموجبة الكلية لا تنعكس مثل نفسها ، فلعله يكون الجسم (١)] بهذه الصفة. وغير الجسم قد يكون أيضا بهذه الصفة. فما لم تذكروا الدليل لم يتم هذا الكلام.
الاعتراض الثاني : لم لا يجوز أن يقال : النفوس كانت متعددة في الأزل؟
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).