آخر ، لزم القول بوجود قديمين. وذلك محال.
والدليل عليه : أن القدم عبارة عن نفي العدم السابق ، فيكون صفة موجودة. والقديمان لما اشتركا في القدم ، فقد اشتركا في أمر موجود. فإما أن يختلفا باعتبار آخر ، وإما أن لا يكونا كذلك ، فإن اختلفا باعتبار آخر [كان القدم الذي به المشاركة (١)] مغاير لذلك الاعتبار ، الذي به المخالفة. فيكون ذلك القديم مركبا من جزءين ، وكل واحد من جزئي القديم : قديم ، فذانك الجزءان بعد اشتراكهما في القدم ، لا بد وأن يختلفا باعتبار آخر ، وإلا لم يكن أحدهما بكونه جهة [الاشتراك ، والآخر بكونه جهة (٢)] الامتياز أولى من العكس. والكلام فيه كما في الأول فيلزم كون ذلك القديم مركبا من أجزاء غير متناهية. وذلك محال.
ولما ثبت [هذا ثبت (٣)] أن القديم الثاني ، يجب أن لا يخالف الأولى ، في جزء من أجزاء الماهية. فوجب أن يتماثلا مطلقا ، فيلزم كون الأرواح البشرية مماثلة للإله تعالى في جميع الصفات. وظاهر أنه محال. فهذا بيان أنه يمتنع وجود موجودين قديمين.
واحتج القائلون بقدم النفوس بوجهين :
الحجة الأولى : إنه ثبت في الفلسفة : أن الأدوار الفلكية غير متناهية. فالأبدان البشرية غير متناهية. فلو كانت النفوس البشرية حادثة ، لكان حدوثها ، لأجل أن حدوث البدن شرط في فيضانها عن العلل العالية. فلما كانت الأبدان غير متناهية ، وجب أن تكون النفوس البشرية غير متناهية. لكنه ثبت أن النفوس لا تقبل الفساد ، فوجب أن [يوجد الآن عدد لا نهاية له من النفوس (٤)] وذلك محال لأن كل عدد فإنه يحتمل الزيادة والنقصان وكل ما كان كذلك ، فهو متناه.
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (م)
(٣) سقط (م).
(٤) أن تكون النفوس غير متناهية (م).