واعلم : أن قولنا : إن كل عدد يحتمل الزيادة والنقصان ، فإنه يجب أن يكون متناهيا : تقدم ، بحثنا عنها في مسألة «تناهي الأبعاد» فلا فائدة في الإعادة.
الحجة الثانية : قالوا : النفوس الناطقة أبدية. فتكون أزلية.
أما الأول فهو ثابت بالاتفاق ، وبالدليل أيضا الذي سيجيء ذكره.
وأما الثاني : فالدليل عليه : أنها لو كانت حادثة لكانت ماهيتها قابلة للعدم. وتلك القابلية من لوازم الذات ، فوجب أن تكون قابلة للعدم أبدا. وإذا كان كذلك ، كانت قابلة للعدم بعد الوجود. وقد فرضنا أنها غير قابلة للعدم [بعد الوجود (١)] هذا خلف. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : هذه النفوس [قابلة (٢)] للعدم ، نظرا إلى ذواتها وحقائقها ، إلا أنها تصير واجبة الوجود لوجوب عللها؟.
قلنا : إن كانت عللها قديمة ، وما كان تأثيرها فيها موقوفا على شرط [حادث (٣)] أو كان موقوفا على شرط قديم ، فحينئذ يلزم قدمها. وإن كانت عللها حادثة ، أو إن كانت قديمة إلا أن تأثيرها في وجودها يكون موقوفا على شرط حادث ، فتلك العلة الحادثة ، وذلك الشرط الحادث : يكون جائز الزوال لذاته. فإن كان واجب البقاء نظرا إلى علته ، عاد التقسيم الأول فيه ، ولزم التسلسل. وهو محال. وإن كان جائز الزوال فحينئذ لزم من جواز زواله ، جواز زوال النفوس بعد وجودها. فثبت بهذا البيان : أن النفوس لو لم تكن أزلية ، لم تكن أبدية ، لكنها أبدية ، فوجب كونها أزلية.
وأجيب عنه : بأن علة وجود النفوس البشرية هي العقل الفعال. إلا أن فيضان هذا المعلول عن تلك العلة القديمة مشروط بحدوث البدن ، المستعد
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) غير قابلة (طا).
(٣) سقط (ل).