المزاج. وأما النفس التناسخية. فإنها متقدمة في الوجود على حدوث ذلك المزاج ، فلا يمتنع أن يقال : إن النفس لما أحست بأن ذلك [المزاج (١)] في طريق التكوين ، فقبل تمامه وكماله تعلقت به ، واشتغلت بتدبيره ، فلا جرم كان تعلق هذه النفس التناسخية بتدبير ذلك البدن أولى. لأن الدفع أسهل من الرفع.
الثالث : لا يمتنع أن يقال : حصلت نفوس كثيرة مشاكلة لهذه النفس التناسخية في الصفات والأحوال ، وتكون تلك النفوس لهذه النفس التناسخية كالأعوان والأنصار على التعلق بذلك البدن المعين ، فكان تعلقها بذلك البدن أولى من تعلق النفس الحادثة به. فهذه احتمالات لا يمكن دفعها. فلا جرم ضعفت هذه الدلالة.
والاعتراض السابع : هب أنه تعلق بذلك البدن (٢) نفسان. فلم قلتم : إن ذلك محال؟ قوله : «الدليل على امتناعه : أن كل إنسان فإنه يجد نفسه نفسا واحدة لا نفسين» قلنا : هذا الكلام في غاية الضعف. لأن الذي يحصل له الشعور بذاته وبأحواله هو النفس لا البدن. فإذا اجتمع في البدن الواحد نفسان فكل واحدة من تينك النفسين تحس نفسها نفسا واحدة. ومثاله إذا اجتمع في بيت واحد رجلان. فإن اجتماعهما فيه لا يمنع من أن يحس كل واحد منهما بنفسه ، وبأنه شيء واحد. فكذا هاهنا.
والاعتراض الثامن : أن نقول : هذا الإشكال الذي ألزمتموه على القائلين بالتناسخ، هو بعينه وارد عليكم أيضا. وتقريره : أن النفوس الناطقة. إما أن تكون مختلفة في الماهية ، أو متساوية فيها. فإن كان الأول فقد سقط هذا الدليل. لأنه لا يلزم من كون المزاج الحادث قابلا للنفس التناسخية ، كونه قابلا للنفس الحادثة ، وإن كان الثاني وهو أن النفوس متماثلة، وكل مزاج يقبل نفسا واحدة ، وجب أن يكون قابلا لجميع النفوس.
__________________
(١) من (م).
(٢) المزاج (ل).