إلا أنا نقول : الأمزجة مختلفة. ولم يثبت بالدليل كون النفوس متساوية في الماهية. وإذا كانت الأمزجة مختلفة ، وكانت النفوس مختلفة ، لم يلزم من كون هذا المزاج الحادث ، قابلا للنفس التناسخية : كونه قابلا للنفس الحادثة الأخرى. وحينئذ يبطل هذا الدليل.
والاعتراض الخامس : سلمنا : أن النفوس الناطقة متساوية في أصل الماهية ، إلا أن على هذا التقدير لا يحصل التعدد فيها ، إلا لأجل اختصاص كل واحد منها بأمر ، لأجله حصل الامتياز والتعدد. فهذه النفس المعينة : عبارة عن المجموع الحاصل من جهة المشاركة ، ومن جهة المخالفة. وكذلك القول في النفس الثانية. وعلى هذا التقدير فكل واحدة من النفوس المعينة تكون مخالفة للنفس الأخرى ، فلم يلزم من كون المزاج المعين ، قابلا لإحداهما ، كونه قابلا للثانية. فسقط هذا الدليل.
والاعتراض السادس : سلمنا تساوي النفسين المعينتين بحسب الذوات. فلم لا يجوز أن تختص النفس التناسخية بأمور ، لأجلها تصير هي أولى بذلك البدن؟ وبيانه من وجوه :
الأول : إن النفس التناسخية ، لما كانت مدبرة للأبدان السابقة ، وبقيت مواظبة على ذلك التدبير ، مدة (١) متطاولة ، حصلت لها ملكة راسخة في تدبير الأبدان.
وأما هذه النفس الحادثة ، فلم تحصل لها هذه الحالة ، فتكون النفس التناسخية كالرجل القوي الماهر في الصنعة والنفس الحادثة [لم تحصل لها هذه الحالة. فتكون النفس الحادثة (٢)] كالطفل الضعيف الجاهل بالصنعة ولا شك أن الأول أولى وأقوى.
الثاني : إن النفس الحادثة لا تحدث إلا بعد حصول المزاج وحدوثه على سبيل التمام والكمال. فيكون حدوث هذه النفس متأخرا عن حدوث هذا
__________________
(١) سنين (ل).
(٢) سقط (طا ، ل).