الحجة الثانية لمنكري التناسخ : قالوا : النفوس المفارقة لأبدانها. إما أن يصح عليها : أن تبقى مجردة مدة ، من غير أن تكن متعلقة بأبدان أخرى ، وإما أن لا يصح ذلك. والأول باطل. لأنها تكون فيما بين الوقتين : معطلة ولا معطل في الطبيعة (١).
والثاني يوجب أن يكون عدد الهالكين ، مساويا لعدد الكائنين ، حتى يقال : إنه عند ما فسد بدن ، وفارقته نفسه. ففي تلك الحالة يكون قد استعد بدن آخر لتتعلق به تلك النفس. ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك ، فإن في الطوفانات العامة التي عندها ينقطع النسل ، نعلم أن عدد الهالكين أكثر من عدد الكائنين.
والاعتراض على هذا الكلام من وجهين :
الأول : إن قولكم : لا معطل في الطبيعة : كلام لم يذكروا في تقريره شبهة. فضلا عن حجة.
ثم إنه منقوض على أصولكم بأشياء.
أولها : إن «ثامسطوس» (١) زعم : أن النفوس الباقية بعد مفارقة الأبدان هي النفوس الفاضلة الكاملة ، وأما نفوس الأطفال والجهال فإنها تفسد ، وإلا لبقيت معطلة ، ولا معطل في الطبيعة. ثم إنكم ما التفتم إلى هذا الكلام ، وما أقمتم له وزنا. وحكمتم ببقاء نفوس الأجنة والأطفال والمعتوهين ، أبد الآباد ودهر الداهرين : معطلة ، خالية عن الفعل والانفعال. ومعلوم : أن ذلك التعطيل : أكمل لأن هذه النفوس التناسخية ، قد حصل لها شيء كثير من العلوم والأخلاق ، فهي منتفعة بتلك الصفات. ثم إنها عن قريب تتعلق بأبدان أخرى ، وتتخلص عن تلك المعطلة وأما نفوس الأطفال فليس معها شيء من العقائد والأخلاق ، فتبقى عطلتها أبدا سرمدا. ثم إنكم جوزتم هذا ، ومنعتم من ذلك. وهذا في غاية البعد.