يكون محتاجا في وجوده إلى وجود هذا البدن. وإما أن يكون شيئا [آخر (١)] مغايرا لهذا البدن ، ويكون (٢) غنيا في وجوده عن هذا البدن. فإن كان الحق هو الأول أو الثاني ، فالقول بالتناسخ باطل قطعا. وإن كان الحق هو الثالث فنقول : لا شك أن ماهية النفس قابلة للعلوم وإلا لما كانت عالمة بتلك الأحوال في تلك الأزمنة ، ولما صارت عالمة بأحوال هذا البدن في هذا الزمان ، وتلك القابلية من لوازم ماهيتها. وقد بينا : أن المواظبة على هذه الأحوال توجب رسوخ تلك المعارف في جوهر النفس. وغاية ما في الباب : أنه مات ذلك البدن ، إلا أن موت البدن عبارة عن خراب محل العمل ، وخراب محل العمل لا يوجب النسيان ، ولا يوجب زوال العلم بالأشياء التي كانت معلومة.
وإذا ثبت هذا ، وجب القطع ببقاء تلك العلوم.
وأما قوله : «إن شدة الاهتمام بمصالح الوقت ، أوجب نسيان الأحوال [النفسانية (٣)] السابقة» فنقول : هذا بعيد جدا. لأنا في أكثر الأحوال نجد أنفسنا فارغين ساكنين بحيث يمكننا أن نستنبط في تلك الفراغة أنواعا كثيرة من العلوم الدقيقة ، والمطالب العالية الغامضة. ثم إنا نجرب أنفسنا في تلك الأحوال ، فلا يخطر ببالنا أنا كنا موجودين في أبدان أخرى ، لا بالقليل ولا بالكثير. وذلك يدل على فساد القول بالتناسخ. [والله أعلم (٤)].
__________________
(١) سقط (ل)
(٢) لهذا البدن ، وإما أن يكون غنيا (م).
(٣) سقط (ط) ، (ل).
(٤) سقط (م).