معلوم بعد الاستقراء. فإن من قرأ الدرس الواحد مائة مرة ، بقي ذلك الدرس على حفظه. وكلما كان التكرار عليه أكثر ، كان ذلك الحفظ أتم. هذا إذا حصل ذلك التكرار يوما ويومين. فأما إذا ابتدأ بذلك التكرار من أول عمره إلى آخره ، ولم يغفل لحظة ولا لمحة ، وكان مشتغل الهم متعلق الخاطر في كل هذه المدة ، وجب القطع بأنه نسيان مثل هذه الحالة.
إذا ثبت هذا فنقول : لو أنا قبل هذا البدن ، كنا في بدن آخر ، وكنا في ذلك الوقت متصرفين في ذلك البدن ، وفي الدنيا ، وكنا مشاهدين لأهلها عارفين بأحوالها لوجب أن يكون علمنا الآن بأنا كنا على هذه الحالة علما راسخا في نفوسنا ، متأكدا في عقولنا ، رسوخا وتأكدا ، لا يقبل الزوال [والتأكد (١)] وإن لم يحصل هذا الرسوخ والتأكد ، فلا أقل من نوع من أنواع التذكر لتلك [الأحوال (٢)] أو بعضها. وحيث لم يوجد شيء من ذلك البتة ، كان القول بالتناسخ باطلا.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : [إن بقاء (٣)] العلم بأحوال كل بدن ، مشروط ببقاء النفس في تدبير ذلك البدن ، وعند زوال الشرط يزول المشروط؟ ثم نقول : لم لا يجوز أن يقال : الإنسان في هذه الحياة ، يكون شديد الاهتمام [بإصلاح مصالح هذه الحياة شديد الاهتمام (٤)] بدفع مفاسدها فلشدة اهتمامه بهذه المهمات ، نسي أحوال تلك الأبدان [السالفة (٥)] ومثاله : أن الإنسان إذا وقع في حرق ، أو غرق قد يصير لأجل شدة اهتمامه بتخليص نفسه عن تلك الآفات ، إلى حيث ينسى أباه وأمه وولده وبلده ووطنه. فكذا هاهنا.
والجواب عن السؤال الأول : أن نقول : إن الذي يشير إليه كل أحد بقوله «أنا» إما أن يكون هو هذا البدن. وإما أن يكون شيئا آخر. إلا أنه
__________________
(١) سقط (ط) ، (ل).
(٢) سقط (طا).
(٣) سقط (طا).
(٤) سقط (م).
(٥) سقط (طا) ، (ل).