وأما أهل التقليد والأثر. فهم قد اعتقدوا أنه لا حقيقة للإنسان إلا هذا الهيكل. وسمعوا من الأنبياء والعلماء : إثبات القول بالبعث والقيامة ، فاعتقدوا كلا القولين ولم تصل خواطرهم إلى أن الجمع بين هذين القولين ، هل هو ممكن أم لا؟ ثم إن جماعة من المتكلمين لما أرادوا أن يجمعوا بين هذين القولين ، ذكروا فيه طريقين :
الأول : قال بعضهم : إن إعادة المعدوم بعينه جائز.
والثاني : قال آخرون : إنه محال. إلا أنه إذا مات الإنسان ، فإنه لا تفنى تلك الأجزاء أو تلك الذوات ، وإنما يفنى المزاج والصفات. فإذا أعيد التركيب والمزاج إلى تلك الأجزاء ، كان الإنسان العائد ، عين الإنسان الذي كان موجودا في الدنيا.
وهذا في غاية البعد ، لأنا نقول : الإنسان المعين إما أن يكون عبارة عن تلك الأجزاء كيف كانت ، أو عينها بشرط كونها موصوفة بصفات مخصوصة. والأول باطل. لأن تلك الأجزاء حال ما كانت خالية عن العلم والحياة والقدرة والمزاج والتأليف ، كانت موجودة ، مع أن هذا الإنسان [ما كان موجودا. فإذا مات هذا الإنسان وزالت هذه الصفات. فإن تلك الأجزاء تكون باقية مع أن ذلك الإنسان قد لا يكون باقيا. وهذا يدل على أن هذا الإنسان (١)] ليس عبارة عن تلك الأجزاء [كيف كانت ، بل إن كان ولا بد ، فالإنسان المعين عبارة عن تلك الأجزاء (٢)] المخصوصة بشرط قيام صفات مخصوصة بها فإذا عدمت تلك الصفات ، فقد عدم أحد الأجزاء المقمومة لماهية ذلك الإنسان المعين ، وحينئذ يحصل الجزم بأن ذلك الإنسان قد عدم وفني. ثم عند هذا نقول : إن كانت إعادة المعدوم ممكنة ، فلا حاجة إلى القول ببقاء تلك الذوات ، وإن كانت غير ممكنة لم يكن القول ببقاء تلك الذوات كافيا في القول بصحة عود ذلك الإنسان بعينه.
__________________
(١) سقط (ط) ، (ل).
(٢) سقط (ط).