عن طلب الرئاسة [في الدنيا (١)] والتفوق على الأقران ، فإنه يعظم قدر هذا الإنسان في عقولهم. وترى الطالبين لهذه اللذات يخدمون ذلك الإنسان ، المعرض عنها ، خدمة العبيد للأرباب ، ويعدون أنفسهم بالنسبة إلى أولئك المعرضين ، كالبهائم بالنسبة إلى الملائكة.
حتى إن المزور إذا أراد استتباع الخلق ، أظهر من نفسه ـ على سبيل التزوير ـ قلة الرغبة في هذه الخيرات البدنية ، والراحات الجسمية ، ويتوصل بها إلى استخدامهم ، والأمر والنهي عليهم. وهذا يدل على أن تقرر في عقول جميع الخلق : أن التقليل من هذه اللذات ، يوجب الكمال ، وأن التكثير منها يوجب النقصان. والمقدمة التي شهدت بصحتها بدائه العقول ، وصرائح الأفكار ، لا بد وأن تكون مقدمة حقة يقينية.
إذا ثبت هذا فنقول : لو لم تكن النفس باقية ، لكان كمال السعادة في الاستكثار من هذه اللذات ، وكمال الشقاوة في التقليل منها. والتالي كاذب ، فالمقدم كاذب مثله. بيان الشرطية : إن السعادة والبهجة لا معنى لها ، إلا ما يوجب اللذة والسرور. وهذه اللذة والسرور إما أن تحصل بعد الموت ، أو قبل الموت. فإن كانت النفس لا تبقى بعد موت البدن ، امتنع حصول اللذة والبهجة والسرور بعد موت البدن ، فلم يبق للسعادة حصول إلا قبل الموت ، فوجب أن يكون الاستكثار من هذه اللذات والخيرات ، استكثارا من السعادة ، والتقليل منها تقليلا من السعادة. وذلك يدل على صحة ما قلنا : إنه لو لم تكن النفس باقية ، لكان كمال الإنسان (٢) : من الاستكثار من هذه اللذات البدنية ، والراحات الجسمانية. وقد بينا في المقدمة [الأولى (٣)] أن هذا باطل ، فوجب أن يكون القول بأن النفس غير باقية باطلا قطعا.
واعلم : أنا نكتب فصلا طويلا في بيان أن السعادات النفسانية ـ أعني
__________________
(١) من (ل ، طا).
(٢) السعادة (ل).
(٣) سقط (طا ، ل).