الظاهر : أن النفس غنية في ذاتها وفي صفاتها عن البدن. والغني مطلقا عن الشيء ، لا يجب فساده عند فساد ذلك الشيء. فوجب الجزم بأن النفس لا تموت بموت البدن ، ولا تضعف بضعفه. وهو المطلوب.
الحجة الثامنة : إنا قد ذكرنا في باب إثبات النفس : أنه لو لم تكن النفس باقية بعد موت البدن لكان [أخس الحيوانات هو الإنسان والتالي باطل فالمقدم باطل. بيان الملازمة : إن بتقدير أن لا تكون النفس باقية بعد موت البدن ، كان (١)] كمال السعادة ونهايتها هو الفوز بهذه اللذات الجسمانية ، والراحات البدنية. وحصول العقل يوجب تنقيض هذه [الحالة. وهي تنقيض هذه (٢)] اللذات ، وتنقيض هذه الراحات والسعادات.
وأما عدم العقل فإنه يوجب تكميل هذه الراحات ، وقوة هذه السعادات. فإذا كان لا كمال ولا سعادة إلا هذه اللذات البدنية والخيرات الجسمية. وكان العقل سببا لنقصانها تارة ، ولبطلانها أخرى ، وجب أن يكون العقل أخس الصفات وأدونها ، وأن يكون العاقل أخس ممن ليس بعاقل [فثبت : أنه لو لم تكن النفس باقية ، لكان الإنسان أخس الحيوانات ، لكن التالي باطل (٣)] فإن بديهة العقل حاكمة بأن الإنسان كالملك ، وسائر الحيوانات كالعبيد [له. وإن الإنسان العاقل كالملك ، والجهال كالعبيد له (٤)] وذلك يدل على أن النفس باقية بعد موت البدن.
الحجة التاسعة : إن العقول كلها حاكمة بأنه كلما كان الخوض في اللذات البدنية والخيرات الجسمية أقل ، كان ذلك الإنسان أكمل. وكلما كان الخوض فيها أكثر ، كان ذلك الإنسان أخس. والدليل عليه : أن الناس إذا اعتقدوا في إنسان أنه معرض عن اللذات الجسمية ، كالأكل والشرب والوقاع ، ومعرض
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) سقط (ط).
(٣) من (ل ، طا).
(٤) من (ل ، طا).