[فوجب أن لا تموت النفس بموت البدن (١)].
الحجة السابعة في بيان أن النفس لا تموت بموت البدن : هو أن النفس لها قوتان : نظرية : وهي القوة التي باعتبارها تقوى على استفادة العلوم التصورية والتصديقية من عالم المجردات. وقوة عملية : وهي القوة التي باعتبارها تقوى على تدبير هذا البدن ، وعلى التصرف فيه.
فأما القوة النظرية فهي غير مشروطة البتة بالبدن. وذلك لأن محل التصورات ليس إلا النفس. فإذا حصل في جوهر النفس استعداد لقبول تلك التصورات ، فاضت تلك التصورات عن العلل العالية على جوهر النفس وإذا حصل تصور الموضوع وتصور المحمول ، كان ذانك التصوران محال. يلزم من مجرد حصولها حصول التصديق. فحينئذ تحصل القضايا البديهية لا محالة. وإذا حصلت القضايا البديهية ، واتفق أن حصل فيها قضيتان مشتركتان في الحد الأوسط فحينئذ يكون حصول هاتين القضيتين في العقل ، موجبا لحصول العلم بتلك النتيجة. ثم إذا انضافت تلك النتيجة إلى نتيجة أخرى على الشرط المذكور ، حصلت نتيجة ثانية. وظاهر أن شيئا من هذه المراتب والدرجات لا يتوقف على اعتبار حال البدن وجودا وعدما. فثبت : أن النفس في قوتها النظرية غنية عن البدن ، وأما قوتها العملية فهي غنية أيضا عن البدن. وذلك لأن البدن محل لنفاذ تلك القدرة ، وما يكون محلا لنفاذ القدرة ، لا يكون علة لتلك القدرة.
وأيضا : البدن قابل للتصرف [عن النفس (٢)] فيمتنع أن يكون فاعلا في النفس ، لأن القابل من حيث إنه قابل ، لا يكون فاعلا. فثبت : أن النفس غنية في قوتها النظرية ، وفي قوتها العملية عن البدن.
أما أنها غنية في ذاتها عن البدن ، فلأنا سنقيم الدلالة على أن المؤثر في وجود الجوهر المجرد ، يمتنع أن يكون جسما أو حالا في جسم. فثبت بهذا البيان
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (ل).