فليطالع الكتب المشتملة على شرح أحوالهم (١)] ولا سيما طريقة «سقراط» و «أفلاطون» وأما «أرسطاطاليس» فلأجل أنه كان وزيرا ل «الإسكندر» وأستاذا له ، كثرت الدنيا عنده ، فجعلوه عيبا عليه. وذلك يدل على إطباق أكابر الحكماء على أن طلب الدنيا : مذموم ، والإقبال على الآخرة هو الطريق المحمود. ولو لم تكن النفس باقية بعد الموت (٢) ، لكانت طريقة الأنبياء والحكماء في تهجين حب الدنيا ، وتحسين طلب الآخرة : طريقة باطلة فاسدة. ولكانت طريقة الفسقة والكفرة في طلب الدنيا هي الطريقة الحقة. ولما كان ذلك معلوم الفساد بالضرورة ، وجب القطع بأن النفس باقية بعد موت البدن.
الحجة الثانية : طريقة الاحتياط. فنقول : إن هذا البدن كان معدوما من الأزل إلى يوم الولادة ، وسيبقى معدوما من يوم الموت إلى الأبد. ومن المعلوم : أن هذا الزمان الواقع فيما بين الأزل والأبد : قليل قليل ، بالنسبة إلى الكثير الكثير. فإن اعتقدنا أن النفس باقية بعد موت البدن ، واعتقدنا أن لها سعادة وشقاوة بعد ذلك ، ثم احترزنا عن اللذات الجسمانية ، وأقبلنا على طلب الخيرات الروحانية ، فإن أصبنا في هذا الاعتقاد ، فقد تخلصنا من العذاب المؤبد ، ووصلنا إلى الثواب المؤبد. وإن أخطأنا في هذا الاعتقاد لم يفتنا إلا الفوز بهذه اللذات البدنية ، في هذه المدة القليلة ، المتوسطة بين الأزل والأبد.
وأما إن اعتقدنا : أن النفس فانية (٣) وأنه ليس لها سعادة ولا شقاوة بعد الموت. فإن أصبنا في هذا الاعتقاد ، وصلنا إلى (٤) هذه اللذات القليلة المنغصة في هذه الأيام القليلة. وإن أخطأنا في هذا الاعتقاد ، وصلنا إلى العذاب المؤبد ، والشقاء المخلد.
وإذا عرفت هذا ، فقد ظهر أن اعتقاد أن النفس باقية بعد موت البدن ، أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه.
__________________
(١) سقط (طا ، ل).
(٢) البدن (م).
(٣) غير باقية (طا ، ل).
(٤) إلى وجدان هذه (م).