وهذا هو الذي قاله الإمام الأجل «علي بن أبي طالب» ـ رضي الله عنه وأرضاه :
قال المنجم والطبيب كلاهما |
|
لا تحشر الأموات. قلت : إليكما |
إن صح قولكما فلست بخاسر |
|
أو صح قولي ، فالخسار عليكما |
والحجة الثالثة من الوجوه الإقناعية في بقاء النفس بعد موت البدن : إنا نرى أهل المشرق والمغرب من الزمان الأقدم ، إلى الآن : مطبقين على ذكر موتاهم. تارة بالصلاة والرحمة والخير ، إن اعتقدوا فيهم الظلم والجور. ولو لم تكن النفس باقية بعد موت البدن ، لكان هذا الكلام باطلا. لأن الصلاة والدعاء والرحمة تضرع إلى إله (١) العالم في إيصال خير إليه ، واللعن والشتم طلب من إله العالم إيصال شر وعذاب إليه. ولو كانت النفس تموت بموت البدن وتعدم عند عدمه ، لكان إيصال الخير والشر إليه محالا. فيلزم أن يقال : إن جميع أهل العالم من الزمان الأقدام ، قد أطبقوا على الباطل [ومعلوم : أن ذلك بعيد (٢)].
فإن قالوا : إن هذا الدعاء وهذا الشتم ، إنما يذكره أرباب الملل والنحل لجهلهم بحقائق الأشياء ، وأما الحكيم العاقل الكامل فإنه لا يفعله البتة.
فنقول : إن ذلك الذي نسميه بالحكيم الفاضل الكامل إذا غفل عن شبهاته وضلالاته ، وعاد إلى أصل فطرته ، ومقتضى طبيعته (٣) الأصلية ، فإن كان قد ناله خير كثير من إنسان ، ومات ذلك الإنسان ، فإنه إذا تذكر ما وصل إليه من الخيرات ، فلا بد وأن تحمله فطرته الأصلية على أن يذكره بالرحمة والدعاء. وإن كان قد ناله منه شر كثير ، فإذا تذكر تلك الأحوال ، فلا بد وأن يذكره باللعن والشتم. وذلك يدل على أن مقتضى الفطرة الأصلية هو الإقرار
__________________
(١) إلى الله في (ل).
(٢) سقط (ل ، طا).
(٣) جبلته (م).