ببقاء النفس ، وإن العدول عنه ليس إلا بسبب الشبهات العارضة.
الحجة الرابعة : إن الإنسان قد يرى أباه وأمه في المنام ، ويسألهما عن أشياء ، وهما يذكران أجوبة صحيحة ، وربما أرشداه إلى دفين دفنه في موضع لا يعلمه أحد.
وأقول (١) : «إني حين كنت صبيا في أول التعلم ، وكنت أقرأ مسألة حوادث لا أول لها. فرأيت في المنام أبي ، فقال لي : أجود الدلائل : أن يقال : الحركة انتقال من حالة إلى حالة أخرى. فهي تقتضي بحسب ماهيتها : كونها مسبوقة بالغير. والأول ينافي كونه مسبوقا بالغير. فوجب أن يكون الجمع بينهما محالا».
وأقول : «والظاهر : أن هذا الوجه ، أحسن من كل ما قيل في هذه المسألة».
وأيضا : سمعت أن «الفردوسي» الشاعر ، لما صنف كتابه المسمى ب «شاهنامه» على اسم السلطان «محمود بن سبكتكين» وأنه ما قضى حقه كما يجب وما راعاه كما يليق بذلك الكتاب ، ضاق قلب «الفردوسي» فرأى في المنام «رستم» فقال له : إنك قد مدحتني في هذا الكتاب كثيرا ، وأنا في زمرة الأموات ، فلا أقدر على قضاء حقك. ولكن اذهب إلى الموضع الفلاني ، واحفر فيه ، فإنك تجد فيه دفينا ، فخذه. فكان «الفردوسي» الشاعر يقول : إن «رستم» بعد موته أكثر كرما من «محمود» حال حياته.
وأيضا : سمعت أن أصحاب «أرسطاطاليس» كل ما أشكل عليهم بحث موضوع ، ذهبوا إلى قبره ، وبحثوا في تلك المسألة فكانت المسألة تنفتح ، والإشكال يزول. وهذه الأحوال مما تفيد ظنا غالبا (٢) أن نفوس الأموات باقية بعد موت أبدانها.
الحجة الخامسة : إنا نشاهد أن كل بناء بني للخير والدين ، فإنه يبقى
__________________
(١) قال المصنف (م).
(٢) قال المصنف (م).