زمانا طويلا مع ضعفه ورخاوته ، وكل بناء بني للدنيا مثل قصور الملوك والأكابر ، فإنه ينهدم في أسرع مدة مع غاية قوته [وإنا نرى أهل الزهد والطاعة والعلم ، يبقى ذكرهم بعد موتهم دهرا داهرا وزمانا طويلا (١)] وأيضا : نرى أن ثياب أهل الزهد والطاعة والعلم تبقى بعد موتهم دهرا داهرا وزمانا طويلا [وتبقى آثارهم وبلياتهم زمانا طويلا (٢)] مع أنها تكون في غاية الرخاوة والضعف. ولقد رأيت سجادة متخذة من الخرق الضعيفة ، بقيت بعد موت صاحبها مائة وعشرين سنة ، بل نقول : بقاء ثوب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بقي نيفا وستمائة سنة. وأما ثياب الملوك والسلاطين فإنها مع غاية شرفها وصفاقتها ، تفنى في أقل مدة. وأيضا : نرى الرجل العالم أو الزاهد مع فقره وغاية ضعفه وعدم التفات الناس إليه ، يبقى ذكره [بعد موته مئات وألوفا من السنين ، وأما الجبابرة والسلاطين فإنه لا يبقى ذكرهم (٣)] في الدنيا إلا أياما قلائل. ثم إنها تنقرض وتزول ، ولا يبقى منهم في الدنيا لا أثر ولا خبر.
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الاستقراء يدل على أن كل ما له تعلق بحضرة الجلال ، فإنه يبقى بحسب قوة ذلك التعلق ، وكل ما له تعلق بعالم الجسم والهيولى (٤) ، فإنه يكون سريع الدثور والفناء. إذا ثبت هذا فنقول : إن النفس الناطقة إذا أشرقت بنور معرفة واجب الوجود ، وتقوت بتلك القوة التي لا نهاية لها في العدة والشدة والمرة ، وجب أن تبقى بقاء مصونا عن الفساد ، دائما بدوام السبع الشداد. وتمام التقريب : إني لما رأيت نظرت تلك السجادة المركبة من تلك الخرق السخيفة ، وأنها بقيت مدة مائة وعشرين سنة ، قلت في نفسي : امتياز هذه الخرق السخيفة بهذا البقاء عن سائر الثياب الصفيقة النفيسة ، إنما حصل لأجل أنه اتفق أنه وقع عليها رجل ذلك الرجل الذي كان مدبر بدنه : نفسا أشرقت بنور معرفة الله تعالى فلأجل هذا التعلق البعيد ،
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) سقط (م).
(٤) والقبول (م).