البديهية ، بحيث تتأدى تلك التركيبات إلى حصول العلوم بالنتائج ، وقد يكون بحيث يصعب عليه ذلك. وقد يكون بحيث يتيسر عليه ذلك.
واعلم : أن مراتب السهولة والصعوبة غير مضبوطة ، بل كأنها غير متناهية. وكما أنه لا يبعد انتهاؤها في طرف النقصان ، إلى الغبي الذي لا يتيسر عليه الكسب والطلب أصلا ، فكذلك لا يبعد انتهاؤها في طرف الزيادة إلى الكامل ، الذي تحصل له تلك التركيبات على أكمل الوجوه ، وأحسن الترتيبات من غير سعي في الطلب. وأصحاب هذا الكمال هم الأنبياء المعظمون ، والحكماء الكاملون. ومن الصوفية من يسمى هذا النوع من العلم بالعلم اللدني. أخذا من قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (١).
والمرتبة الثالثة : فهي العقل بالفعل (٢) وهو أن يحصل العلوم الكسبية تحصيلا تاما وافرا ، إلا أنها لا تكون حاضرة في عقله. ولكنها تكون بحيث متى شاء استحضارها ، قدر عليه من غير حاجة إلى مزيد عناء وتكلف.
والمرتبة الرابعة : أن تكون تلك العلوم حاضرة بالفعل ، مشرقة تامة كاملة مضبوطة (٣) وهذا هو المسمى بالعقل المستفاد ، وإذا بلغت النفس البشرية إلى هذا الحد ، فقد وصلت إلى آخر الدرجات البشرية ، وأول منازل الملائكة. فهذا هو شرح حال المعارف والعلوم ، بحسب التقسيم.
التقسيم الثاني : الإدراكات :
قالوا : الإدراك إما أن يكون إدراكا للجزئيات ، أو إدراك للكليات. فإذا كان إدراكا للجزئيات. فإما أن يكون ذلك الإدراك [مشروطا بكونه ذلك المدرك حاضرا وهو الحس أو لا يكون (٤)] مشروطا به ، وهو الخيال. وأما
__________________
(١) الكهف ٦٥.
(٢) الفعال (م).
(٣) : مضيئة (م.
(٤) سقط (ط).