إدراك الكليات ، فهو العقل. ثم زعموا : أن الحس يدرك المحسوس ، مع مادته المعينة.
وأما الخيال فإنه يجرد بعض التجريد عن تلك المادة. ولذلك فإن تخيل الإنسان للأشياء ، لا يتوقف على حضورها في الأعيان. وأما العقل فإنه يجردها عن المادة تجريدا تاما.
واعلم : أن هذه كلمات مألوفة معهودة ، ولم يبحثوا عنها البتة. والبحث فيها من وجوه :
الأول : إن الصورة العقلية عرض شخصي ، حال في نفس شخصية. وتلك النفس قامت بها علوم كثيرة وميول وإرادات وأخلاق. فهذه الصورة العقلية مقارنة لها بأسرها ، ومصاحبة لها.
فكيف يمكن أن يقال : إنها صورة مجردة؟ فإن قالوا : [المراد من كونها مجردة أنه إذا حذفت عنها هذه المقارنات (١)] كانت مجردة. قلنا : فلم لا يقال (٢) أيضا : إن الصورة الحسية صورة مجردة بهذا التأويل.
الثاني : إن القول بإثبات الصور المجردة : قول متناقض. لأن كونها مجردة : قيد زائد على ماهياتها ، مقارن لها. فالقول بكونها مجردة يمنع من كونها مجردة.
الثالث : إنهم بينوا في المنطق : أن الكلي له أنواع خمسة : الجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض العام.
أما الجنس والفصل فهما جزءا قوام الماهية. والعرض الحال في نفسي ، يمتنع كونه جزءا من قوام الماهية الموجودة في الخارج.
وأما النوع فهو الماهية ، والماهية الموجودة في الخارج ، كالفلك والشمس
__________________
(١) سقط (م) و ، (ط).
(٢) فلم قلتم إن (م).