والشرط الثالث : إن القوة الباصرة لا يمكنها إدراك المبصرات ، إلا عند صيرورة الهواء مضيئا ، بسبب طلوع الأشياء النيرة. فكذلك العقل لا يقدر على الإبصار إلا عند طلوع النيرات الروحانية. ثم نيرات العالم الجسماني أربعة : الشمس والقمر والكواكب والنار. وأعظمها : الشمس ، ثم القمر ، ثم الكواكب ، ثم النار. فكذلك نيرات العالم الروحاني أربعة: المبدأ (١) الأول ـ تعالى وتقدس ـ وبعده الروح الأعظم ، الذي هو أشرف الأرواح المقدسة ، وبعده درجات الملائكة ، مثل : مراتب الكواكب ، وبعده العقل البشري وهو بمنزلة النار.
ومراتب الأرواح البشرية على نوعين : منها ما يكون إشراقها وقوتها بسبب التصفية وتطهير النفس عن غير الله تعالى ، وبعضها بسبب تركيب البراهين اليقينية. والأولون هم [الملائكة (٢)] والأنبياء والأولياء. والثاني هم الحكماء.
واعلم : أن نور العقل له عيوب (٣) كما أن النار لها عيوب.
فالأول : [إن نور النار ممزوج بدخان كثير يسود الثوب ، ويجفف الدماغ ، وكذلك نور العقل ممزوج بدخان الشبهات.
والثاني : إن نور النار فيه إشراق وإحراق ، وكذلك (٤)] نور العقل فيه إشراق ، وهو إذا وقع على الدلائل ، وإحراق إذا وقع على الشبهات.
والثالث : إن نور السراج ينطفئ بأدنى سبب ، وكذلك سراج العقل ينطفئ بأدنى شبهة.
والرابع : إن السراج إنما يضيء إذا وضع في بيت صغير ، وإما إذا وضع في صحراء واسعة فإنه يقل ضوؤه ، ويصير كالمظلم. وكذلك سراج العقل ،
__________________
(١) المدبر (م).
(٢) سقط (طا ، ل).
(٣) عيون (م).
(٤) سقط (م).