البعض ، بالنفي أو بالإثبات. ومنها : ما لا يكون كذلك. فالأول : هو البديهيات. والثاني : هو النظريات. فهذا بيان معونة الحواس ، في تكميل جوهر النفس. وأما معونتها في تكميل جوهر البدن فهو أنا بينا : أن البدن حار رطب ، فيكون أبدا في التحلل والذبول. ولهذا السبب يحتاج إلى إيراد بدل ما تحلل عنه ، ولا بد من التميز بين ما يكون ملائما ، وبين ما يكون منافيا. فهذا البيان معونة الحواس في تكميل جوهر البدن.
واعلم : أن السعي في إصلاح مهمات البدن ، يفيد السعي في إصلاح مهمات جوهر النفس إنما دخلت هذا (١) العالم الجسماني ، لتكتسب العلم النافع والعمل الصالح. لكن آلة النفس في هذا الكسب هو هذا البدن ، وما لم تكن الآلة صالحة لم يقدر المكتسب على الاكتساب بها. فثبت : أن الاشتغال بإصلاح مهمات البدن ، سعي في إصلاح مهمات النفس.
المثال الثاني : قالوا : القلب في البدن يشبه الوالي في مملكته ، وقواه وجوارحه بمنزلة الصناع ، والقوة العقلية المفكرة كالمشير الناصح ، والشهوة كالعبد (٢) الذي يجلب الطعام إلى المدينة ، والغضب كصاحب الشرطة. ثم إن الشهوة التي كالعبد الجالب للطعام إلى المدينة قد يكون خبيثا مكارا ، مخادعا ، يتمثل بصورة الناصح ، إلا أن تحت نصحه : كل شر هائل ، وسم قاتل ، وتكون عادته منازعة الوزير الناصح ، في كل تدبير يدبره.
وكما أنه يجب على الملك العاقل ، أن يسلط وزيره الناصح ، على عبده الجالب للطعام ، وعلى صاحب الشرطة ، وأن لا يلتفت إلى تخليطهما في حق الوزير ، ليستقيم أمر المدينة. فكذلك النفس الناطقة متى استعانت بنور العقل ، واستضاءت بضوء العلم والحكمة ، وجعلت الشهوة والغضب مقهورين ، استقام أمر هذه الحياة الجسمانية. ومن عدل عن هذه الطريقة ،
__________________
(١) على (ل).
(٢) والشهوة كالذي يجلب (ل).