كان كمن قال الله في حقه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (١).
المثال الثالث : البدن كالمدينة ، والنفس الناطقة كالملك ، والحواس الظاهرة والباطنة كالجنود ، والأعضاء كالرعية ، والشهوة والغضب كعدو ينازعه في مملكته ، ويسعى في إهلاك رعيته. فإن قصد الملك قهر ذلك العدو ، استقامت المملكة ، وارتفعت الخصومة. وإن لم ينازع عدوه ضيع مملكته ، واحتلت بلدته ، وصارت عاقبة أمره إلى الهلاك.
المثال الرابع : مثل النفس الناطقة ، مثل : فارس ركب لأجل الصيد. فشهوته فرسه ، وغضبه كلبه. فإن كان الفارس حاذقا ، وفرسه مرتاضا منقادا ، وكلبه معلما ، كان جديرا بالنجح. ومتى كان هو في نفسه أخرق ، وكان الفرس في نفسه جموحا ، والكلب غير معلم (٢) فلا فرسه تنبعث تحته على حسب إرادته ، ولا كلبه يسترسل بإشارته. فهو خليق بأن يعطب ، فضلا عن أن ينال ذلك الذي طلب.
المثال الخامس : اعلم : أن هذا البدن يشبه الدار الكاملة ، التي بنيت ، وأكملت بيوتها وخزائنها ، وأقيمت أبوابها ، وأعد فيها كل ما يحتاج إليه صاحب الدار.
أ ـ فالرأس كالغرفة في أعلا الدار. ب ـ والثقب في الرأس كالروازن في غرفة الدار. ج ـ ووسط دماغه كالأبواب في الدار. د ـ والفم كباب الغرفة. ه ـ والأنف كالطاق الذي فوق باب الدار. و ـ والشفتان كمصراعي الباب. ز ـ والأسنان كالبوابين. ح ـ واللسان كالحاجب. ط ـ والظهر كالجدار القوي ، الذي هو حصن الدار. ى ـ والوجه كصدر الدار. يا ـ والرئة التي هي الجاذبة للنفس البارد كالبيت الصيفي. يب ـ وجريان النفس فيها ، كالهواء الذي يجري في البيت الصيفي. يج ـ والقلب مع حرارته الغريزية كالبيت الشتوي. يد ـ وبيت المعدة مع نضج الغذاء فيها كالمطبخ. يه ـ والكبد مع حصول الدم فيها
__________________
(١) الجاثية ٢٣.
(٢) عقورا (م).